الثاني : أنه حَالٌ من فَاعل " ينفقون " يعني : مصْدراً واقعاً مَوْقع الحالِ، أي : مرائين.
والثالث : أنه حَالٌ من نَفْس المَوْصُول، ذكره المَهْدَوي، و " رئاء " مصدر مُضَافٌ إلى المَفْعُول.
فصل قال الوَاحِدِي : نزلت في المُنَافِقِين وهو الوَجْه لذكر الرِّيَاء، وهو ضرْب من الإنْفَاقِ، وهو قول السدي، وقيل : نزلتْ في اليَهُود وقيل : نزلَتْ في مُشْرِكِي مكَّة المُنْفِقِين على عَداوَة الرَّسُول - عليه السلام -.
قال ابن الخَطِيب : والأوْلَى أن يُقَال : إنه - تعالى - لمَّا أمر بالإحْسَان إلى المُحْتَاجِين، بين أن المُمْتَنِعِ من ذَلِكَ قِسْمَان : إما بألاّ يُعْطي شيئاً، وهو البُخْل فَذَكَرَهُ.
وإما بأن يُعْطِي رياءً وسُمْعَةً ؛ فهذا أيضاً مذمومٌ، فلم يَبْقَ إلا الإنْفَاق للإحْسَان.
وقوله :﴿وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مُسْتأنف.
والثاني : أنه عَطْف على الصِّلة، وعلى هذين الوَجْهَيْن، فلا مَحَلَّ له من الإعْرَابِ.
والثالث : أنه حالٌ من فاعل يُنْفِقُون، إلا أن هذين الوَجْهَيْن الأخيريْن، أعني : العطف على الصِّلة، والحالية مُمْتَنعان على الوجْه المَحْكِيّ عن المَهْدَوي، وهو كون " رئاء " حالاً من نَفْسِ المَوْصُول ؛ لئلا يَلْزَم الفَصْل بين أبعاض الصِّلة، أو بين الصِّلة ومعمولها بأجْنَبِيّ، وهو " رِئَاءَ " ؛ لأنه حَالٌ من المَوْصُول لا تعلُّق له بالصِّلَة، بخلاف ماع إذا جَعَلْنَاه مَفْعُولاً [له] أو حَالاً من فَاعِل ﴿يُنْفِقُونَ﴾ فإنَّه على الوَجْهَين معمول لـ ﴿يُنْفِقُونَ﴾ فليس أجْنَبِيّاً، فلم يُبَالَ بالفَصْل به، وفي جَعْلِ ﴿وَلاَ يُؤْمِنُونَ﴾ حالاً نَظرٌ ؛ من حَيْث أن بَعْضهم نَصَّ على أنَّ المُضَارع المُنفِيّ بـ " لا " كالمُثبت ؛ في أنَّه لا يَدْخل عَليْه واو الحَال، وهو مَحَلُّ تَوَقُّف، وكرِّرت لا في قوله - تعالى - :﴿وَلاَ
٣٧٩
يُؤْمِنُونَ [بِاللَّهِ وَلاَ] بِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ ؛ وكذا الباء إشعاراً بأنَّ الإيمان مُنتفٍ عن كلِّ على حدته [كما] لو قُلت : لا أضرب زيداً أو عَمْرًا، احْتمل في الضَّرْب عن المَجْمُوع، ولا يَلْزَم منه نَفْي الضَّرْب عن كل وَاحِدٍ على انْفِرَادِه، [واحتمل نَفْيه عن كُلِّ واحِدٍ بالقرآنِ].
وإذا قُلْت ولا عَمْراً، تعيَّن هذا الثَّاني.
قوله - تعالى - :﴿وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً﴾ : قوله :﴿وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً﴾ أي : صاحِباً وخَليلاً، والمَعْنى : أن الشَّيْطَان قَرين لأصْحَاب هذه الأفْعَالِ.
قال القرطبي : في الكلام إضْمَار، تقديره :﴿وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ فَقَرينُهُم الشَّيْطَان ﴿وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً﴾.
قوله :﴿فَسَآءَ قِرِيناً﴾ وفي " فساء " هذه احتمالان : أحدهما : أنَّها نقلت إلى الذَّمِّ، فجرت مُجْرى " بِئْسَ "، ففيها ضَميرٌ فاعلٌ لها مُفَسِّر بالنكِرَة بعده، وهو ﴿قِرِيناً﴾ والمخصُوص بالذَّمِّ مَحْذُوف، أي : فَسَاءَ قريناً هُوَ، وهو عائد [إما] على الشَّيْطَان، وهو الظَّاهِر، وإمَّا على " مَنْ "، وقد تَقَدَّم كم نِعْم وبِئْس.
الثاني : على بابها، فهي مُتَعَدِّية، ومَفْعُولها مَحْذُوف، و " قريناً " على هذا مَنْصُوب على الحَالِ أو على القَطْعِ، والتَّقدير : فساءَهُ، أي : فساء الشَّيْطَان مُصَاحَبَة ؟ قال القُرْطُبِي :﴿قِرِيناً﴾ مَنْصوب على التَّمييز، واحتجُّوا للوجْه الأوَّل بأنَّه كان يَنْبَغِي أن يحذف الفَاءَ من " فَسَاءَ "، أو تَقْتَرِن به " قَدْ "، لأنه حينئذٍ فِعْل مُتَصرِّف ماض، وما كان كذلِك ووقع جواباً للشَّرْط، تَجَرَّد من الفَاءِ أو اقْتَرَن بـ " قد "، هذا معنى كَلاَم أبِي حيَّان.
قال شهاب الدين : وفيه نَظَر ؛ لقوله - تعالى - :﴿وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل : ٩٠] ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ﴾ [يوسف : ٢٧] مما يُؤوّل به هذا ونحوه يَتَأوّل به هذا، وممَّن ذَهَب إلى أن ﴿قِرِيناً﴾ منصوب على الحالِ ابن عَطِيَّة، ولكن يُحْتَمل أن يكُون قَائِلاً بأن " سَاءَ " متعدِّيَة، وأن يكون قَائِلاً برأي الكُوفيِّين، فإنَّهم يَنْصُبُون
٣٨٠
ما بَعْدَ [نِعْمَ] و " بِئْسَ " على الحَالِ.
والقَرِين : المُصَاحِب [الملازِم] وهو فعيل بِمَعْنَى مُفَاعِل : كالخَليطِ والجَليسِ، والقَرَنُ : الحَبْل ؛ لأنه يُقْرَنَ به بَيْنَ البعيريْن قال :[البسيط] ١٧٩٦ -.........................
وَابْنُ اللَّبَون إذَا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٨