أحدهما : أن في الكَلاَمِ حذف مُضافٍ، تقديره : مواضع الصَّلاةِ والمراد بمواضعها المَسَاجد، ويؤيِّدُه قوله بعد ذلك :" إلا عابري سبيل " في أحد التَّأويلَيْن.
والثاني : أنه لا حَذْف، والنَّهْي عن قُرْبَان نفس الصَّلاةِ في هذه الحالةِ.
فصل قال بَعْضُهم : إن هذا يكون من باب إطْلاَق اسم الحَالِ على المَحَلِّ، وعلى الأوَّل : لمنع السَّكْرَان [والجُنْب] من المسْجِد إلا عابري سبيل، فيجوز للجُنُب العُبُور في المسْجِد.
وعلى الثاني : أنه نَهْي للجنب عن الصَّلاة، إلا إذا كان عَابِر سبيلٍ وهو المُسَافِر عند العَجْزِ عن المَاءِ.
ورجح أصْحَاب الشَّافعي الأول ؛ بأن القُرْب والبعد حقيقةٌ في المسْجِد، مجَازٌ في الصَّلاة، والحقيقة أوْلَى من المجَاز ؛ لأن الاسْتِثْنَاء يَصِحُّ عليه، ولا يَصِحُّ على الثَّاني ؛ لأن غير العَابِري سبيل والعَاجِزَ عن المَاءِ، والتَّيَمُّم عقبيها، وقد استحب القُرَّاءُ الوقُوفَ عند قوله - تعالى - :" حتى تغتسلوا " ثم يسْتأنف " وإن كنتم مرضى " لأنه حُكم آخر.
ورُجِّح ليس فيه قَوْل مَشْرُوع يمنع الشكْر، وأيْضاً سبب النُّزُول يرجِّحُه.
قوله :" وأنتم سكارى " مُبْتَدأ وخبر في مَحَلِّ نصب على الحَالِ من فاعل " تقربوا "، وقرأ الجُمْهُور " سُكارى " بضم السّين وألف بعد الكَافِ، وفيه قولان : أصحهما : أنه جَمْع تكسير نَصَّ عليه سيبويْه : قال : وقد يُكَسِّرُونَ بَعْضَ هذا " فُعَلَى " ؛ وذَلِك كقول بعضهم سُكَارَى وعُجَالَى.
والثاني : أنه اسم جَمْع، وزعم ابن البَاذش أنه مذْهب سيبويْه ؛ قال : وهو القياس ؛ لأنه لم يَأتِ من أبْنِيَة الجمع شَيْءٌ على هذا الوَزْنِ، وذكر السَِّيرَافِي الخِلاف، ورجَّحَ كونه تَكْسِيراً.
٣٩٣
وقرأ الأعْمَش :" سُكْرَى " بضم السِّين وسكُون الكَافِ، وتَوْجِيهها أنَّها صِفَة على " فُعْلَى " ؛ كحبلى، وقعت صِفَة لجماعةِ، أي : وأنتُم جماعَةٌ سُكْرى، وحكى جناح بن حبيش كُسْلَى وكَسْلَى، بضم الكَافِ، وتَوْجِيهها أنَّها صِفَة على فُعْلَى " ؛ كحبلى، وقعت صِفَة لجماعة، أي : وأنتُم جماعَةٌ سُكْرى، وحكى جناح بن حبيش كُسْلى وكَسْلَى، بضم الكَافِ وفتحها ؛ قاله الزمخشري.
وقرأ النَّخْعي " سَكْرَى " بفتح السِّين وسكون الكَافِ، وهذه تَحْتَمِل وَجْهَيْن : أحدهما : ما تقدَّم في القراءة قبلها، وهو أنَّهَ صِفَة مُفْرَدة على " فَعْلَى " ؛ كامرأة سَكْرَى، وصف بها الجمَاعة.
والثَّاني : أنَّها جَمْع تكسير ؛ كجَرْحى، ومَوْتى، وهَلْكى، وإنما جمع سَكْرَان على " فَعْلَى " حملاً على هذه ؛ لما فيه من الآفَةِ اللاَّحِقَة للفِعْل، وقد تقدَّم شَيْء من هَذَا في قوله :﴿وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى ﴾ [البقرة : ٨٥].
وقرئ :" سَكارى " بفتح السين والألف، وهذا جمع تكسير، نحو : نَدْمَان ونَدَامى، وعَطْشَان، وعَطَاشَى، والسُّكْرُ : لُغَة السَّدِّ، ومنه قيل لما يَعرض للمرءِ من شُرْبِ المُسْكِر، لأنَّه يسد ما بين المَرْء وعَقْلِه، وأكثر ما يُقَال ذلك لإزالَتِه بغضب ونحوه، من عشق وغيره قال :[الكامل] ١٨٠٠ - سُكْرَانِ سُكْرُ هَوَى وسُكْرُ مُدَامَةٍ
أنَّى يُفيقُ فَتًى به سُكْرَانِ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
و " السكر " بالفتح وسكون اكَافِ : حبس الماءِ، وبكسر السِّين : نفس الموضع السْدُود، وأما " السَّكَر " بفتحيهما فما يسكر به من المشروب، ومنه :﴿سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً﴾ [النحل : ٦٧] وقيل السُّكْر : بضم السين وسكون الكاف [السّدّ] أي : الحَاجِز بين الشَّيْئَيْن، قال :[الهزج] ١٨٠١ - فمَا زِلنَا عَلَى السُّكْرِ
نُدَاوِي السُّكْر بالسُّكْرِ
والحاصل : أنَّ أصل المادة الدَّلالة على الانْسداد، ومنه : سَكرت عين البَازِي، إذا خَالَطَهَا نوم، وسكر النَّهر ؛ إذا لم يَجْرِ، وسَكَرْتُه أنا، وقال - تعالى - :﴿إِنَّمَا
٣٩٤
سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾ [الحجر : ١٥]، أي : غُشيت، والسُّكْر من الشراب، وهو أن يَنْقَطِع عما عَلَيْه من النَّفَاذ حال الصَّحْو، فلا ينفذ رأيه كنَفَاذَه حَال الصَّحْو، وقال الضحَّاك : أراد به سُكْر النّوم نهى عن الصَّلاة عند غَلَبَة النَّوْم، قال - عليه الصلاة والسلام - :" إذا نَعسَ أحدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَرْقُد حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ ؛ فإنَّ أحَدَكُم إذا صَلَّى وهو يَنْعَسُ، لَعَلهُ يَذْهَبُ يستَغْفِرُ فَيَسب نَفْسَه ".
والصحيح الأوَّل ؛ لأن السكر حَقيقةً هو من شُرْب الخَمْرِ، فأمّا السّكر من الغَضَبِ أو العِشْقِ أو النَّوْمِ فَمَجَازٌ، إنما اسْتُعِْمِل مقيَداً ؛ قال - تعالى - :﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ [ق : ٩]، ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى ﴾ الحج : ٢] قال الفرزْدَق :[الطويل] ١٨٠٢ - مِنَ السَّيْرِ وَالإسْآدِ حَتَّى كَأنَّمَا
سَقَاهُ الَرَى فِي مَنْزِلَةٍ خَمْراً