وقرأ ابن مَسْعُود :" من الغيط " وفيه قَوْلاَن : أحدهما : وإليه ذهب ابن جني : أنه مُخَفَّف من " فَيْعِل " ؛ كهَيْن، ومَيْت [في هَيِّن ومَيِّت].
والثاني : أنه مَصْدر على وَزْن " فَعَل " قالوا : غَاطَ يَغيطُ غَيْطاً، وغَاطَ يَغُوطُ غَوْطاً.
وقال أبو البَقَاء : هو مَصْدرَ " يغوط " فكان القياس " غوطاً " فقلبت الوَاوُ ياءً، و [إن] سُكِّنت وانْفتح ما قبلها لِخفَّتِها كأنه لم يطَّلِع على أنَّ فيه لُغَة أخْرَى من ذَوَات اليَاءِ حتى ادّعى ذَلِك.
قوله :" أو لامستم المساء " قرأ الأخوان هنا، وفي المَائِدَة :" لمستم "، والباقون :" لامستم " [فقيل] فَاعَلَ بمعنى فَعَل، وقيل لمس : جامع، ولامَس " لِما دُون الجِمَاع.
قال ابن عباس والحسن ومُجَاهِد وقتَادَة : كُنِّي باللَّمْس عن الجِماع ؛ لأن اللَّمْسَ يُوصِل إلى الجِمَاع، ولأن اللَّمْس والمَسَّ وردَا في القُرْآن كِناية عن الجَماع [في] قوله :﴿مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا﴾ [المجادلة : ٣]، و ﴿مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة : ٢٣٧] ولأن الحَدَثَ الأصْغر مَذْكُور في قوله :" أو جاء أحد منكم من الغائط " فلو حُمَل
٤٠٠
اللمس على الأصْغر، لم يَبْق للحدث الأكْبر ذِكْرٌ، وقال ابن مَسْعُود، وابن عُمَر، والشعبي، والنَّخعِي، هما التقاء البَشَرتَيْن سواءٌ كان بِجِماع أو غير جِمَاع ؛ لأن حُكْم الجَنَابَة تقدَّم في قوله :" ولا جنباً " فلو حَمَلْنَا اللَّمس على الجَنَابةِ، لزم التّكْرَارُ.
قوله :" فلم تجدوا " الفَاء عَطَفت ما بَعْدَها على الشَّرْط، وقال أبُو البَقَاءِ : على " جَاء " لأنه جَعَل " جَاء " عطفاً على " كنتم "، فهو شرْط عنده، والفاءُ في قَوْله :" فتيمموا " هي جَوَاب الشَّرط، والضَّمِير في " تيمموا " لِكُلِّ من تَقَدَّم ؛ من مريض ومُسَافرٍ ومُتغوِّط ومُلامِس أوْ لامسِ، وفيه تَغْليبٌ للخطاب على الغَيْبَة ؛ وذلك أنَّهُ تقدَّم غَيْبَة في قوله :" أو جاء أحد " وخطاب في " كنتم "، و " لمستم " فغلَّب الخطاب، في قوله :" كنتم " وما بَعْده عليه، وما أحْسَن ما أتي هُنا بالغَيْبَة، لأنه كِنَاية عما يُسْتَحْيَا منه فَلَم يُخَاطِبْهم به، وهذا من مَحَاسِنِ الكَلامِ ؛ ونحوه قوله :﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء : ٨٠] [و " وجَد " هنا بمعنى " لقِيَ " ] فتعدت لِوَاحِدٍ و " صعيداً " مفعول به لقوله " تيمموا " أي : اقْصدُوا.
وقيل : هو على إسْقَاطِ حَرْفٍ، اي : بصعيدٍ، وليس بشيءٍ لعدم اقْتِيَاسه، والصَّعيد " فَعِيلٌ " بمعنى الصَّاعد، [قيل : الصَّعيد] : وَجْه الأرْضِ تراباً كَانَ أوْ غيره.
فصل : الخلاف في وجوب تكرار طلب الماء في الصلاة الثانية قَال الشَّافِعِي : إذا دخل وَقْتُ الصلاة فَطَلَب المَاءَ ولم يجد النَاءَ، وتيمم وصلَّى، ثم دَخَل وقْتُ الصَّلاةِ الثَّانية، يجب عليه الطلب ثانياً ؛ لقوله " فلم تجدوا " وهذا يشعر بسَبْق الطَّلَب.
وقال أبو حنيفَة : لا يجب، واعْتَرض على الآيةِ بأن قوله :" فلم تجدوا " لا يُشْعر بسبق الطلب ؛ قال - تعالى - :﴿وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ﴾ [الأعراف : ١٠٢] ﴿وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَآئِلاً﴾ [الضحى : ٧، ٨]، ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ [طه : ١١٥] وهذا لا يَسْبِقُه طَلَبٌ ؛ لاستِحَالَتِه على الله - تعالى -.
فصل قال أبو حنيفَة : التيمم هو القَصْد، والصَّعيد وهو ما يَصْعَد من الأرْض ؛ فقوله " فتيمموا صعيداً طيِّباً " أي : اقْصُدوا أرْضاً، وقال الشَّافعي : هذه الآيةُ مطْلَقَة، وآية المائدة مُقيَّدة بقَوْله :﴿مِّنْهُ﴾ [المائدة : ٦] وكلمة " مِنْ " للتَّبعيض، وهذا لا يَتَأتَّى في
٤٠١