يَاسِر فجرى بَيْنَهُمَا اخْتِلاف في شَيْءٍ، فَنَزَلَتْ هذه الآية.
[و] قال عكْرمَة : أولو الأمْرِ أبُو بَكْر وعُمَر ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - " [اقتدوا] باللذيْنِ من بَعْدِي أبِي بكْرٍ وعُمَر "، وقيلَ : هم الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُون.
وقال عَطَاء : هم المُهَاجِرُون والأنْصَار، والتَّابِعُون لهم بإحْسَانٍ ؛ لقوله - تعالى - :﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ﴾ [التوبة : ١٠٠] الآية، ولقوله - عليه السلام - :" مَثَلُ أصْحَابِي في أمَّتِي كالمِلْحِ في الطَّعَامِ، ولا يَصْلُح الطَّعَامُ إلا بالمِلْحِ "، وقال الحسَن : قد [ذهب] مِلحُنَا، فكيف نَصْلُحَ.
ونُقِلَ عن الرَّوافِضِ أنَّ المُرَاد بأولي الأمْرِ : الأئِمُّة المَعْصُومون.
فإن قيل : طَاعَةُ الرَّسُولِ هي طاعَةُ اللهِ، فالمعنى العَطْفُ.
فالجواب : قال القَاضِي : الفَائِدَةُ في ذَلِكَ بَيَان الدِّلالَتَيْنِ، فلكتاب يَدُلُّ على أمْرِ الله، ثم يُعْلَم مِنْهُ أمر الرَّسُولِ لا مُحَالَة، والسُّنَّة تدلُّ على أمْرِ الرَّسُول، ثم يُعْلَم مِنْهُ أمر اللهِ لا محالة، فَدَلّ قوْلُه :" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " على وُجُوب مُتَابَعَة الكِتَابِ والسُّنَّةِ.
فصل في معنى " الطَّاعَة " قالت المعتزلة : الطَّاعَة موافقَةُ الإرَادة، وقال أهْل السُّنَّة : الطَّاعَةُ مُوافقَةُ الأمرِ لا
٤٤٣
مُوافَقَةُ الإرَادَةِ ؛ لأنَّ الله قد يَأمُر ولا يُريدُ ؛ كما أمر أبَا لَهَبٍ بالإيمَانِ مع انَّه لم يُرِدْهُ منه، إذ لو أرَادَهُ لا مَحَالَة.
فصل استدلُّوا بقوله - تعالى - :﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ﴾ على أن الأمَر للوُجُوب، [واعترض عليه المُتَكَلِّمُون ؛ فقالوا : هذه الآيةُ لا تَدُلُّ على الوُجُوب إلا إذا ثَبَتَ أن الأمْرَ للوجُوبِ]، وهذا يَقْتَضِي افْتَقَار الدَّليل إلى المَدْلُولِ.
وأجيبُ بوَجْهَينِ : الأوَّل : أن الأمر الوَارِدَ في الوَقَائِع المخصُوصةِ على النَّدْبيَّة، فقوله :﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ﴾ لو اقْتَضَى النَّدْبَ، لم يَبْقَ لِهَذِه الآيَةِ فائِدَةٌ.
الثاني : أنه خَتَمَ الآيَةَ بِقَوْلِهِ :﴿إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ وهذا وعيد.
قوله :" منكم " في محلِّ نَصْبٍ على الحَالِ من " أولي الأمر " فيتعَلَّقُ بمَحْذُوفٍ، أي : وأُولِي الأمْرِ كائِنِينِ مِنكُم، و " مِنْ " تَبْعِيضية.
قوله :﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ﴾ [اختلَفْتُم]، ﴿فِي شَيْءٍ﴾ [أيْ :] من أمْرِ دينكُم، والتَّنَازُع : اخْتِلافَ الآرَاءِ.
قال الزَّجَّاج : اشْتِقَاق المُنَازَعَة من النَّزْعِ الَّذِي هُوَ الجَذْب، والمُنَازَعَةُ : عبارة عن مُجَاذَبَةِ كُلِّ واحدٍ من الخَصْمَيْن، يَجْذِب بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ.
قوله :﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [أي : إلى الكِتَابِ والسُّنَّةِ].
وقيل : الرَّدُّ إلى الله والرَّسُول ؛ أن يقُول لما لا يعْلَمُ :" الله ورسوله أعلم ".
فصل في دلالة الآية على حجية القياس دلت هذه الآيةُ على أنَّ القياس حُجَّة ؛ لأن قوله :﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ﴾ إمَّا أن يكُون المُرادُ منه " فإن اختلفتم في شيء " أي : حكم مَنْصُوصٍ عليه [في الكِتابِ أو السُّنَّةِ أو الإجْمَاعِ]، [أو يكون المُرادُ :" فإن اختلفتم في شيء " حكمه غير مَنْصُوصٍ عليه في شَيء من هذه الثَّلاثة].
والأوَّل بَاطِلٌ : لأنَّ الطَّاعَة واجِبَةٌ، لقوله :﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ فيَصِيرُ قوله :﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ إعادة لعين ما مَضَى، وذلك غيْر
٤٤٤