اهْدِ : صِيغَةُ أمْرٍ، ومعناها : الدعاءُ، فقِيلَ معناه : أَرْشِدْنَا.
وقال عَليٌّ : وأُبَيُّ بن كَعْب - رضي الله عنهما - ثبتنَ ؛ كما يُقال للقائِم : قم حتى أعودَ إليك، أَيْ : دُمْ على ما أنت عليه، وهذا الدعاء من المؤمنين مع كونهم علَى الهدايَةِ بِمعنى التَّثْبِيتِ، وبمعنى طلبِ مزيد الهدَاية ؛ لأنَّ الأَلْطافَ والهدايات من الله - تعالى - لا تتناهى على مذهب أَهْلِ السُّنة.
قال ابنُ الخَطِيب - رحمه الله تعالى - : المرَادُ من قوله تعالى :" اهِدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ " هو : أنْ يكونَ الإنسانُ مُعْرِضاً عما سوى الله - تعالى - مُقْبِلا بكليةِ قلبه وفِكْرِه وذِكْرِه على الله تعالى.
مثالُه : أنْ يصيرَ بحيثُ لو أُمِرَ بذبح غيرُه، لأطاعَ ؛ كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولو أُمِرَ بأَنْ ينقادَ، لأن يذبَحهُ غيرُه، لأطاعَ ؛ كما فعله إسْماعِيلُ عليه الصلاةُ والسَّلام، ولو أُمِرَ باَنْ يُلْق] نفسَهُ في البحر، لأطاعَ ؛ كما فعله يُونُس عليه الصلاة والسلام، ولو أُمِرَ بأن يتلمذَ لمن هو أعلم منه بعد بلوغه في المَنْصب إلى أعلى الغايات، لأطاع ؛ كما فعله موسى - عليه الصَّلاة والسلام - مع الخَضِر [عليه الصَّلاةُ والسلامُ]، ولو أُمِرَ بأنْ يصبرَ في المر بالمَعْرُوف، والنهي عن المنكر على القتل، والتفريقِ بنصفين، لأطاع ؛ كما فعله يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا - عليهما الصَّلاة والسلام - فالمراد بقوله تعالى " اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقيمَ "، هو الاقتداءُ بأنبياء اللهِ في الصَّبرِ على الشدائدِ، والثبات عند نزُولِ البلاءِ، ولا شَكّ أن هذا مقامٌ شَدِيدٌ ؛ لأن أكثر الخَلْقِ لا طاقة لهم به.
واعلم أن صيغةَ " أَفْعَلْ " تَرُِ لمعانٍ كثيرةٍ ذكرِها الأُصُوليُّونَ.
وقال بعضُهم : إن وردت صيغةُ " افعل " من الأعلى للأدنى، قيل فيها : أَمرٌ، وبالعكس دُعاء، ومن المُساوي التماسٌ، وفاعله مستتر وُجُوباً، لِمَا مَرَّ، أي : اهْدِ أنت، و " نا " مفعولٌ أَوَّلٌ، وهو ضميرٌ متصل يكون للمتكلم مع غيره، أو المعظّم نفسه، ويستعملُ في موضع : الرّفع، والنصب، والجر، بلفظ واحد ؛ نحو :" قُمْنَا "، و " ضَرَبَنَا زَيْدٌ "، و " مَرَّ بِنَا "، ولا يشاركه في هذه الخصوصية غيره من الضَّمائر.
وقد زعم بعضُ النَّاسِ أن الياء كذلك ؛ تقولُ :" أكرمني "، و " مرّ بي "، و " أنت تقومين يا هند "، و " الياء " في المثال الأوّل منصوبةُ المحلِّ، وفي الثاني مجرورته، وفي
٢٠٣
الثالث مرفوعتهُ، وهذا ليس بشيءٍ ؛ لأن الياءَ في حالةِ الرفع، ليست تلك الياء التي في حالة النَّصبِ والجر ؛ لأن الأُولَى للمتكلم، وهذه المخاطبة المؤنثة.
وقيل : بل يشاركُه لفظُ هُم ؛ تقول :" هم نائمون " و " ضربتهم " و " مررت بهم "، فـ " هم " مرفوعُ المحلِّ، ومنصوبُهُ، ومجروره بلفظ واحد، وهو للغائبين في كل حالٍ، وهذا وإِنْ كان اَقربَ منَ الأولِ، إلاّ أَنَّهُ في حالة الرفع ضميرٌ منفصل، وفي حالة النصب والجر ضميرٌ متّصل.
فافترقا، بخلاف " نَا " فإنَّ معناها لا يختلِفُ، وهي ضمير متصل في الأحوال الثلاثة.
و " الصِّراطَ " مفعولٌ ثانٍ، و " المستقيم " صِفَتُه، وقد تبعه في الأربعةِ من العشرة المذكورة.
وأصلُ " هَدَى " أن يتعدّى إِلَى الأولِ بنفسه وإلى الثاني بحرفِ الجَرِّ، وهو إما :" إلى " أو " اللام " ؛ كقوله تعالى :﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى : ٥٢]، ﴿يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء : ٩] ثم يُتَّسَعُ فيه، فَيُحْذَفُ الجَرُّ، فيتعدى بنفسه، فأصلُ " اهْدِنا الصِّرَاطَ " : إهدنا للصِّراط أو إلى الصّراط، ثم حذف.
والأمرُ عند البصريين مَبْنِيٌّ وعند الكوفين مُعْرَبٌ، ويَدَّعُونَ في نحو :" اضْرِبْ "، أنَّ أصله :" لِتَضْرِبْ " بلامِ الأَمْرِ، ثم حذف الجازم، وتبعه حرفُ المُضَارعةِ، وأتي بهمزة الوصل ؛ لأجل الابتداء بالسَّاكن، وهذا مما لا حاجة إليه، وللرد عليهم موضعٌ يليق به.
ووزْنُ " اهْدِ " " افْعِ " ؛ حُذِفَتْ لاَمُه، وهي الياءُ حملاً [للأمر على المجزوم، والمجزوم تُحْذَفُ] منه لامه إذا كانت حرف علّة.
ومعنى الهِدايَة : الإرشادُ أو الدلاَلَةُ، أو التقدّم.
ومنه هواد الخيل لتقدمها.
قال امرؤُ القَيْسِ :[الطويل] ٧٠ - فَاَلْحَقَنَا بالهَادِيَاتِ وَدُونَهُ
جَوَاحِرُهَا في صَرَّةٍ لَمْ تَزَيَّلِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٣
أي : المتقدّمات الهَادية لغيرها.
أو التَّبيينُ ؛ نحو :﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [فصلت : ١٧] أي : بيّنّا لهم ؛ ونحو :﴿أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه : ٥٠]، أيْ : أَلْهَمَهُ لمصالحه.
أو الدعاءُ ؛ كقوله تعالى ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد : ٧]، أيْ دَاعٍ.
٢٠٤