وفيه احتمالٌ.
وقرأ طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ بضم النُّونِ وإسْكَانِ الصَّادِ، وهو تخفيفُ القراءة الأولى.
وقرأ عيسى بنُ عُمَرَ :" النَّصَب " بِفَتْحتين.
قال أبُو البقاء : وهو اسمٌ بمعنى : المنصُوبِ، كالقَبْضِ والنَّقَصِ، بمعنى : المقبُوض والمنقُوصِ.
والحسنُ النَّصْب بفتح النون وسكُون الصادِ، وهو مَصْدَرٌ واقعٌ مَوْقِع المفعولِ به، ولا يجوزُ أنْ تكونَ تخفيفاً كقراءة عِيسَى بنِ عُمر ؛ لأنَّ الفتحةَ لا تُخَفَّفُ.
فصل " النُّصُب " يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ جَمْعاً وأنْ يكونَ واحداً، فإنْ كان جَمْعاً ففي واحدِه وُجُوهٌ : أحدها : أنَّ واحدَهُ نصابٌ ونُصُبٌ، كحِمار وحُمُر.
وثانيها : أنَّ وَاحِدَهُ نَصْبٌ فقولُكَ : نَصْبٌ ونُصُب كسَقْفٍ وسُقُف، وهو قولٌ لابْن الأنْبَارِي.
١٩٢
وثالثها : أنَّ واحدهُ النَّصْبَةُ.
قال اللَّيْثُ :[النَّصْبُ] جمعُ النَّصْبَةِ، وهي علامةٌ تُنْصَبُ للقومِ، وإنْ قُلْنا : النصبُ وَاحِدٌ، فجمعُهُ أنْصَابٌ، مثل عُنُق وأعْنَاق.
قال الأزْهَرِيُّ : وقد جعل الأعْشَى النُّصُبَ واحداً، وذكر البيتَ المُتَقَدِّم لَكِنْ رَوَاهُ عَلَى وَجْهٍ آخر، قال :[الطويل] ١٩٢٧ - وَلاَ النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَعْبُدَنَّهُ
لِعَافِيَةٍ واللَّهَ رَبَّكَ فَاعْبُدَا
فصل قال بَعْضُهمْ : النُّصُبُ الأوْثانُ، واسْتَبْعَدَهُ قَوْمٌ ؛ لأنَّ هذا مَعْطُوفٌ على قولِهِ :﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ وذلك هو الذَّبْحُ على اسمِ الأوْثانِ، والمعطوفُ يَجِبُ أنْ يكُونَ مُغَايِراً للمعطوفِ عَلَيْهِ.
وقال ابنُ زَيْدٍ :﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾، ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ هُمَا وَاحِدٌ.
وقال مُجاهدٌ وقتادةُ وابن جُرَيح : كانَتْ حولَ البيتِ ثلاثمائة وستُّونَ [حَجَراً مَنْصُوبَة] كان أهلُ الجاهِليّةِ يَعْبُدُونَها وَيُعَظِّمُونها ويَذْبَحُونَ لها وليست هي بأصْنامٍ، وإنَّما الأصنامُ هي المصَوَّرةُ المنقوشَةُ، وكانوا يُلَطِّخُونَها بتلك الدماءِ، ويضعُون اللحومَ عليها.
فقال المسلمون يا رسول الله : كان أهلُ [الجاهلية] يُعظمون البيتَ بالدَّمِ، فنحنُ أحَقُّ أنْ نُعَظِّمَهُ، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكَره ذلك، فأنزل اله تعالى :﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا﴾ [الحج : ٣٧].
وقوله :﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾.
[فيه وجهان : أحدهما : وما ذبح على الاعتِقادِ وتَعْظِيم النُّصب].
والثاني : ومَا ذُبِح لِلنُّصبِ، و " اللاَّمُ " و " عَلَى " يتعاقَبَانِ.
قال تعالى :﴿فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة : ٩١] [أي : فَسَلامٌ عَلَيْكَ]، وقال :﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء : ٧] أي فعليها.
١٩٣


الصفحة التالية
Icon