جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٨٧
ومثله أيضاً قوله زهير :[الطويل] ١٩٢٩ - وأعْلَمُ مَا في اليَوْمِ والأمْسِ قَبْلَهُ
وَلكنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غدٍ عَمِ
لم يُرِدْ بهذه حقائقها.
والجمهورُ على " يَئسَ " بالهمزة، وقرأ يَزِيدُ بنُ القَعْقَاع " يَئسَ " بِيَاءيْنِ مِنْ غَيْرِ همزة.
ورُوِيَتْ - أيضاً - عَنْ أبِي عَمْرو، ويقال : يَئِسَ يَيْئَسُ ويَئْيِسُ بفتح عَيْنِ المضارعِ وكسرها، فهو شاذّ.
ويقال : أيس [أيضاً] مقلوبٌ من " يَئِسَ " فوزنُهُ " عَفِل " ويدلُ على القَلْبِ كَوْنُهُ لم يُعَلَّ، إذ لو لم يقدر ذلك لَلَزِمَ إلغاءُ المقتضى، وهو تَحَرُّكُ حَرْفِ العَلّة، وانفتاحُ ما قبله، لكنَّه لما كان في مَعْنَى ما لم يُعَلَّ صَحَّ.
واليَأسُ : انقطاعُ الرَّّجاءِ، وهو ضدُّ الطَّمَعِ.
" مِن دِينِكُمْ " مُتَعلقٌ بـ " يئس "، ومعناها ابتداءُ الغَايَةِ، وهو على حَذْفِ مُضَاف، أي : منْ إبْطَالِ أمْرِ دِينكم.
فصل لَمَّا حَرَّم وحَلَّلَ فِيما تقدم، وخَتَمَ الكلام بقوله :" ذَلِكُمْ فِسْقٌ " ثُمَّ حَرَّضَهُم على التمسُّكِ بما شَرَع لهم، فقال :﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ أي : فلا تخافُوا المُشْرِكين في خلافكم لهم في الشَّرائعِ والأدْيَانِ، فإنِّي أنْعَمْتُ عليكم
١٩٦
بالدولةِ القاهِرَةِ، وصارُوا مَقْهُورِينَ لكم ذَلِيلينَ عندكم، وحصل لهم اليأسُ مِنْ أنْ يَصِيروا قاهِرين لكم مُسْتَوْلِين عليكم، وإذا صار الأمرُ كذلك فيجبُ عليكم أنْ لا تَلْتَفِتُوا إليهم وأنْ تُقْبِلُوا على طاعَةِ اللَّهِ تعالى، والعملِ بشرائعِهِ.
وفي قوله :﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾ قولان : الأولُ : يَئِسُوا مِنْ أنْ يُحَلِّلُوا الخبائِثَ بعد أنْ جعلها الله محرمةً.
والثاني : يَئسُوا مِنْ أنْ يَغْلِبُوكم على دينكُم ؛ لأنَّ الله تعالى قد وعد بإعلاء هذا الدين على كُلِّ الأديانِ بقوله :﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة : ٣٣] فَحَقَّقَ ذلك النَّصْرَ، وأزالَ الخوفَ.
واسْتَدَلُّوا بهذه الآيةِ على أنَّ التقيَّةَ جائِزةٌ عِنْد الخوفِ ؛ لأنَّ اللَّه تعالى أمرهم بإظهارِ الشَّرائعِ عند زوال الخَوْفِ مِنَ الكفَّارِ، فدلَّ على جوازِ تركِهَا عند الخوف.
قوله سبحانه وتعالى :﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ في قوله :" الْيَوْمَ " [كالكلام في " اليوم " ] قبلَهُ.
نزلت هذه الآيةُ يَوْمَ الجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ بعد العصر فِي حجَّةِ الوداع، والنبيُّ ﷺ [وشرف وكرم ومجد وعظم] وَاقِف بِعَرَفات على ناقَتِهِ العَضْبَاءِ فكاد عَضُدُ الناقةِ يَنْقَدُّ من ثِقلها، فَبَرَكَتْ.
عن عُمَر بن الخطَّابِ رضي الله عنه أنَّ رَجُلاً من اليهودِ قال له : يا أميرَ المؤمِنينَ آيةٌ في كتابكم تقرؤونها، لو علينا مَعْشَرَ يَهُودٍ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذلِكَ اليومَ عِيداً، قال : أيُّ آيةٍ ؟ قال :﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً﴾ قال عُمَرُ : قَدْ عرفْنَا ذلك اليوم والمكانَ الذي أنْزِلَتْ فيه على النبي ﷺ وهو قائِمٌ بِعَرَفَةَ يوم جمعة.
أشار عُمَرُ إلى أن ذلك اليومَ كان لنا عِيداً.
قال ابنُ عباسٍ : كان ذلك اليوم خمسةَ أعْيادٍ، جُمْعَةً وعَرفَةَ وعِيدَ اليَهُودِ والنَّصارَى والمَجُوسِ، ولم يَجْتَمِعْ أعيادُ أهْلِ المِلَلِ في يوم قبله ولا بعده.
وروى هارونُ بنُ عنترةَ عن أبيه قال :" لما نزلت هذه الآيةُ بَكَى عُمَرُ فقال له النبي ﷺ " ما يُبْكِيكَ يا عُمَرُ ؟ " فقال : أبْكانِي أنا كنا في زيادَةٍ مِنْ ديننَا، [فأما إذْ] كمُلَ فإنَّهُ لم يكمل شيءٌ إلا نَقَصَ، قال :" صَدَقْتَ "، فكانت هذه الآيةُ نَعْيَ النبي صلى الله عليه وسلم.
١٩٧


الصفحة التالية
Icon