النّدب، ندب من قام إلى الصلاة أن يجدِّدَ الطَّهَارَة وإن كان على طهرٍ لما روى عبد الله بن حنظلة بن عامر أنَّ رسُولَ الله - صلّى الله عليه وعلى آله وسلم - أمر بالوضوء عند كلِّ صلاة طاهراً، أو غير طاهر، فلما شقّ ذلك عليه أمر بالسّواك عند كل صلاة، وقال قوم : هو إعْلام من الله تعالى ورسوله أن لا وضوء عليه إلا إذا قام إلى الصَّلاة دون غيرها من الأعمال، فأذن له أن يفعل بعد الحدث ما بدا لَهُ من الأفعال غير الصلاة، كما روى ابن عبّاسِ " قال : كنا عند النّبيِّ ﷺ فرجع من الغائط، فأتي بطعام فقيل :" ألا تتوضأ، فقال : لَم أصَلِّ فأتَوضَّأ ".
قوله سبحانه :﴿فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾.
وحدُّ الوجه من [منابت الشَّعر] إلى منتهى الذقنِ طولاً، وما بين الأذنين عرضاً يجب غسل جميعه في الوُضوء، ويجب إيصال الماء إلى ما تحت الحاجبين، وأهداب العينين، والشّارب، والعذارِ، والعَنْفَقَةِ وإن كان كثيفه.
وأما العَارِضُ واللِّحية وإن كانت كثيفة لا ترى البَشْرَة من تحتها لا يجب غسل باطنها في الوُضُوءِ، بل يجبُ غسل ظاهرها، وهل يجبُ إمرار الماء لما على ظاهر ما استرسل من اللحية عن الذَّقْنِ ؟.
فقال أبُو حنيفة : لا يجب ؛ لأنَّ الشَّعر النازل عن حدِّ الرَّأس لا يكون حكمه حكم الرأس في جواز المَسْحِ ؛ كذلك النازِل عن حدِّ الوجه لا يكون حكمه حكم الوجه في وجوب غسله، وقال غيره : يجب إمرار الماء على ظاهره ؛ لأنَّ الله تعالى أمَرَ بغسل الوَجْهِ، والوجهُ ما يقع به المواجهة، قال ابنُ عباسٍ : يجبُ غسل داخل العينين ؛ لأنَّهُ من الوجه، وقال غيره : لا يجبُ للحرج.
والمضمضة والاستنشاق يجبان في الوضوء.
والغسلُ عند أحمد وإسحاق وعند الشَّافِعِيِّ لا يجبان بناء على أنهما من الباطِنِ، ولو نبت للمرأة لحية ؟ وجب إيصال الماء إلى جلدَةِ الوجه، وإن كانت كثيفة.
قوله [سبحانه] :﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾.
٢١٩
في " إلى " هذه وجهان : أحدهما : أنَّها على بابها من انتهاء [الغاية]، وفيها حينئذٍ خلاف.
فقائل : إن ما بعدها لا يدخُلُ فيما قبلها.
وقائل بعكس ذلك.
وقائلٌ : لا تعرض لها في دخول ولا عدمه، وإنَّما [يدور] الدخول والخروج مع الدَّليل وعدمه.
وقائل : إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها [دخل] في الحكم، وإلاَّ فلا، ويُعْزَى لأبي العبَّاس.
وقائل : إن كان ما بعدها من غير جنس ما قبلها لم يدخل، وإن كان من جنسه، فيحتمل الدخول وعدمه.
وأوَّلُ هذه الأقوال هو الأصَحُّ عند النُّحاة.
قال بعضهم : وذلك أنَّا حيث وجدنا قرينة مع " إلى "، فإن تلك القرينة تقتضي الإخراج مما قبلها، فإذا ورد كلام مجرد عن القرائن، فينبغي أن يحمل على الأمر الفاشي الكثير، وهو الإخراج، وفرق هذا القائل بين " إلى " و " حتّى " فجعل " حتى " تقتضي الإدخال، و " إلى " تقتضي الإخراج بما تقدَّم من الدَّليل.
[وهذه الأقوال دلائلها في غير هذا الكتاب، وقد أوضحتها في كتابي " شرح التسهيل " ].
والوجه الثاني : أنَّهَا بمعنى " مع " أي : مع المرافِقِ، وقد تقدَّمَ الكلامُ في ذلك عند قوله :" إلى أمْوالِكُمْ ".
و " المرافِق " جمع " مَرْفِق " بفتح الميم وكسر الفاء على الفصيح من اللغة، وهو مِفْصَلٌ بين العَضُدِ والمِعْصَمِ.
فصل ذهب أكثرُ العلماء إلى وجوب غسلِ اليديْنِ مع المرفقين والرجلين مع الكعبين.
وقال مالكٌ والشعبيُّ ومُحمَّد بنُ جرير وزفَرُ : لا يجب غسلُ المرفقين والكعبين في اليد والرجّل ؛ لأن حرف " إلى " للغاية، والحدّ لا يدخل في المحدود، وما يكون غاية للحكم يكون خارجاً عنه كقوله :﴿أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ﴾ [البقرة : ١٨٧].
والجوابُ : أنَّ حدَّ الشيء قد يكون منفصلاً عن المحدود بمقطع محسوس، فها هنا
٢٢٠