خلافاً في أن ذلك يجزئه إلا ما نُقِلَ عن بعضهم أنَّ ذلك لا يجزئ.
وهذا مَذهَبُ أهل الظَّاهر.
فإن قيل : هذه زيادة خرجت عن اللَّفظ المتعبَّد به.
قلنا : ولم يخرج عن معناه في إيصال الفعل إلى المحلّ، وكذلك لو مسح رأسه ثم حلقه لم يكن عليه إعادة المسح.
قوله عزَّ وجلَّ :﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾.
قرأ نافعٌ، وابن عامرٍ، والكسائيُّ، وحفص عن عاصم " أرْجُلَكُمْ " نَصْباً، وباقي السبعة " وَأرْجُلِكُمْ " جَرًّا.
والحسن بن أبي الحسن " وَأرْجُلُكُمْ " رفعاً.
فأمَّا قراءة النَّصْبِ ففيها تخريجان : أحدهما : أنها معطوفة على " أيْدِيكُم "، فإن حكمها الغُسْل كالأوجه والأيدي.
كأنه قيل : واغسلوا أرجلكم، إلا أن هذا التَّخريج أفسده بعضهم ؛ بأنَّهُ يلزم منه الفصل بين المتعاطفين بجملة [غير] اعتراضية ؛ لأنها منشئة حكماً جديداً، فليس [فيها] تأكيد للأول.
وقال ابنُ عُصْفُورٍ - وقد ذكر الفصل بين المتعاطفين - : وأقبح ما يكون ذلك بالجمل، فدل [قوله] على أنه لا يجوز تخريج الآية على ذلك.
وقال أبو البقاء عكس هذا، فقال : هو مَعْطُوفٌ على الوجوه، ثم قال : وذلك جائز في العربيّة بلا خلاف.
وجعل السنّة الواردة بغسل الرِّجلين مقوية لهذا التخريج، فليس بشيء.
فإنَّ لقائلٍ أن يقول : يجوز أن يكون النَّصب على محل المجرور [وكان حكمها المسح، ولكنه نسخ ذلك بالسُّنَّة، وهو قول مشهور العلماء.
والثاني : أنه منصوب عطفاً على قبله] كما تقدم تقريره قبل ذلك.
وأمَّا قراءة الجرِّ ففيها أربعة تخاريج :
٢٢٣
أحدها : أنها منصوب في المعنى عطفاً على الأيدي المغسولة، وإنَّمَا خفض على الجوار، كقولهم : هذا جُحْرُ ضَبٍّ خربٍ، بجر " خَربٍ "، وكان حقه الرفع ؛ لأنَّهُ صفة في المعنى لـ " الجحر " لِصحة اتصافه به، والضَّب لا يوصف به، وإنما جره على الجوارِ.
وهذه المسألة عند النَّحويين لها شرط، وهو أن يُؤمَنَ اللَّبْسُ كما تقدم تمثيله، بخلاف : قام غلامُ زَيْدٍ العاقِلُ، إذا جعلت العاقل نعتاً للغلام، امتنع جره على الجوارِ لأجل اللَّبْسِ.
وأنشدوا - أيضاً - قول الشاعر :[البسيط] ١٩٣٤ - كأنَّمَا ضَرَبَتْ قُدَّامَ أعْيُنِهَا
قُطْناً بِمُسْتَحْصِدِ الأوْتَارِ مَحْلُوج
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢١٦
وقول الآخر :[الوافر] ١٩٣٥ - فإيَّاكُمْ وَحَيَّةَ بطنِ وَادٍ
هَمُوزِ النَّابِ لَيْسَ لَكُمْ بِسِيِّ
وقول الآخر :[الطويل] ١٩٣٦ - كَأنَّ ثَبِيراً فِي عَرَانِينِ وَبْلِهِ
كَبِيرُ أنَاسٍ في بِجَادٍ مُزَمَّلِ
وقول الآخر :[الرجز]
١٩٣٧ - كَأنَّ نَسْجَ العُنْكَبُوتِ المُرْمَلِ
بجر " مَحْلُوج " وهو صفة لـ " قطناً " المنصوب وبجر " هموز "، وهو صفة لـ " حية " المنصوب، وبجر " المُزَمِّل " وهو صفة " كبير " ؛ لأنَّه بمعنى المُلْتَف، وبجر " المُرْمَل " وهو صفة " نسج "، وإنما جرت هذه لأجل المُجَاورة.
وقرأ الأعمش :﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات : ٥٨] بجر " المتين " مجاورة لـ
٢٢٤
" القوة " وهو صفة لـ " الرزاق "، وهذا وإن كان وارداً إلا أن التخريج عليه ضعيفٌ لضعف الجوار من حيثُ الجملة.
وأيضاً فإن الخفض على الجوار إنَّما وَرَدَ في النعت لا في العطف، وقد ورد في التوكيد قليلاً في ضرورة الشِّعْر.
قال :[البسيط] ١٩٣٨ - يَا صَاحِ بَلِّغْ ذَوِي الزَّوْجَاتِ كلِّهم
أنْ لَيْسَ وَصْلٌ إذَا انْحَلَّتْ عُرَى الذَّنَب
بجر " كلهم " وهو توكيدٌ لـ " ذوي " المنصوب، وإذا لم يردا إلاَّ في النَّعت، وما شذَّ من غيره، فلا ينبغي أن يُخَرَّج عليه كتاب الله [تعالى، وهذا المسألة قد أوضحتها وذكرت شواهدها في " شرح التسهيل " ]، وممن نص على ضعف تخريج الآية على الجوار مكي ابن أبي طالب وغيره.
قال مكي، وقال الأخفشُ، وأبو عُبيدةَ : الخفضُ فيه على الجوارِ، والمعنى للغُسْلِ، وهو بعيد لا يُحْمَلُ القرآن عليه.
وقال أبُو البقَاءِ : وهو الإعراب الذي يقال : هو على الجوار، وليس بممتنع أنْ يقع في القرآن لكثرته، فقد جاء في القرآن والشعر.
فمن القرآن قوله تعالى :﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [الواقعة : ٢٢] على قراءة من جَرَّ وهو معطوف على قوله :﴿بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ﴾ [الواقعة : ١٨] وهو مختلف المعنى ؛ إذ ليس المعنى يطوف عليهم ولدان مُخَلَّدون بحور عين.
وقال النَّابِغَةُ :[البسيط] ١٩٣٩ - لَمْ يَبْقَ إلاَّ أسيرٌ غَيْرُ مُنْفَلِتٍ
أوْ مُوثقٍ في حِبَالِ الْقَوْم مَجْنُوبِ
والقوافي مجرورة، والجِوَارُ مشهور عندهم في الإعراب [ثم ذكر أشياء كثيرة زعم أنها مقوية لمدّعاه منها قلب الإعراب] في الصفات كقوله تعالى :﴿عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ﴾
٢٢٥