والغسل يجب في موضع آخر، وأعضاء المحدث طَاهِرَةٌ، لأنَّ الميت لا ينجس حيّاً ولا ميتاً، وتطهير الطَّاهر محالٌ.
وأقيم التيمم مقام الوضوء وهو ضدّ النظافة والوضاءة، وأقيم المَسْح على الخفين مقام الغسل، وذلك لا يفيدُ في نفس العُضْوِ نظافة ألْبَتَّةَ.
والماء [العَفِن] الكَدِرُ يفيد الطَّهارة، وماء الورد لا يفيدها، وإذا كان غير معقول المعنى وجب الاعتماد فيه على مورد النَّصِّ لاحتمال أن يكون الترتيب المذكور إما لمحض التعبد، أو لحكمة خفية لا نعرفها، ولهذا السّبب أوجبنا الترتيب في أركان الصلاة، وذهب جماعة منهم أبو حنيفة إلى أن الترتيب ليس بواجب، قالوا : لأنَّ ذلك زيادة على النَّصِّ فلا يجوز ؛ لأنَّه نَسخٌ.
والواوات المذكورة [في الآية للجمع] لا للترتيب كالواوات في قوله :﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ﴾ الآية [التوبة : ٦٠].
واتفقوا على أنه لا يجب الترتيب في صَرْفِ الصَّدقاتِ، فكذلك هنا.
وأجيبوا بأن قولهم : الزيادة على النّص نسخٌ، ممنوع على قيد في علم الأصول.
وأمَّا الصَّدقات : فلم يرو عن النبيِّ ﷺ أنَّهُ راعى التّرتيب فيها.
وفي الوُضُوءِ لم ينقل أنَّهُ توضَّأ إلا مرتباً، وبيان الكتاب يؤخذ من السُّنَّةِ، قال تعالى :﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل : ٤٤] وقال [الله] تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ﴾ [الحج : ٧٧]، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قدم السُّجود على الرُّكوع، بل راعى الترتيب، فكذلك هاهنا.
فصل حكم المولاة الموالاة أوجبها مالكٌ وأحْمَدُ، وقال أبو حنيفة والشَّافِعيُّ [في الجديد] ليست شرطاً لصحة الوُضُوء.
فصل لو كان على وجهه أو بدنه نجاسة فغسلها أو نوى الطَّهارة عن الحدث بذلك الغُسْلِ، فقال بعض العلماء : يكفي لأنَّه أمر بالغسل، وقد أتى به، فيخرج عن العهدة، لقوله عليه الصلاة والسلام :" لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " فيجب أن يحصل له المنوي.
٢٣١
فصل لو وَقَفَ تحت ميزاب حتى سال عليه الماء، ونَوَى رفْع الحدثِ، فقيل : لا يَصِحُّ ؛ لأنه أمر بالغسلِ، والغَسْلُ عملٌ وهو لم يَأتِ بالعَملِ، وقيل : يَصِحُّ ؛ لأنَّ الغَسْلَ عِبارَةٌ عن الفِعْلِ المُفْضِي [إلى الانغسال] وُوُقُوفُهُ تَحْتَ الميزَابِ فعلٌ مُفْضٍ إلى الاغتسال، فكان غُسْلاً.
فصل إذا غَسَلَ هذه الأعْضَاء ثم بعد ذلك تَقَشَّرَت الجلْدَة عنها، فَمَا ظَهَر من تحت الجلْدَة غير مَغْسُولٍ، فالأظْهَرُ وجُوب غَسْلِهِ ؛ لأنَّه تعالى أمَرَ بِغَسْلِ هذه الأعْضَاءِ، وذلك الموْضِعُ غير مَغْسُول، إنَّما المغْسُول هو الجِلْدَة التي زَالَت.
فصل لو أخَذَ الثَّلْج وأمَرَّه على هذه الأعْضَاءِ، فإن كان الهَوَاءُ حَارًّا يُذيبُ الثَّلْجَ ويُسِيلُهُ جاز وإلا فلا، خِلافاً للأوْزَاعِي.
لنا : أنَّ هذَا لا يُسَمَّى غُسْلاً، فأُمِرَ بالغسْلِ.

فصل في التسمية في الغسل التَّسْمِيَةُ في أوَّل الغسل والوُضُوءِ : قال أحْمَد وإسْحَاق : واجِبَةٌ.


وقال غَيْرُهُما : هي سُنَّةٌ ؛ لأنَّهَا لَيْسَت مَذْكُورة في الآيَةِ، واسْتَدلُّوا عليه بقوله - عليه الصلاة والسلام - :" لا صَلاَة إلاَّ بِوُضُوءٍ، ولا وُضُوءَ لِمَن لم يَذْكُرِ اسْمَ الله عليْه ".
قوله - سبحانه - :﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ﴾.
قال الزَّجَّاج : مَعْنَاهُ تَطَهَّرُوا ؛ لأن " التَّاء " تُدْغَمُ في " الطَّاءِ " ؛ لأنَّهُمَا من مَكَانٍ
٢٣٢


الصفحة التالية
Icon