الثاني : أن التَّاء للتَّأنيث، وأنِّث على معنى : طائفة أو فرقة أو نفس أو فَعْلة خائنة.
قال ابن عبَّاسٍ :" على خَائِنَةٍ "، أي : على مَعْصِية، وكانت خِيَانَتُهُم نقض العَهْدِ، ومظاهرتُهمْ المُشْرِكين على حَرْبِ رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - وهَمّهم بِقَتْلِهِ وسمه ونحوها من الخِيَانَاتِ الَّتي ظَهَرَتْ منهم.
الثالث : أنها بمعنى المَصْدَرِ كـ " العافِيَة والعَاقِبَة والكاذِبَة واللاغية والواقِيَة "، قال تعالى :﴿فَأُهْلِكُواْ بِالطَّاغِيَةِ﴾ [الحاقة : ٥] أي : بالطُّغيان، وقال :﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾ [الواقعة : ٢] أي كذب، وقال :﴿لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً﴾ [الغاشية : ١١] أي : لغواً.
وتقول العرب : سمعت رَاغِيَة الإبل، وثاغية الشاء، يعنون رُغَاءَها وثُغَاءَها.
قال الزَّجَّاج :[ويقال] عافاه اللَّهُ عافِيَةً، ويؤيِّد هذا الوجْهُ قراءة الأعمش " على خِيَانَة " وأصل " خَائِنة " خاوِنَة وخِيَانة وخوانة [لقولهم : تَخوَّنَ، وخَوَّان] وهو [أخْوَن، وإنما أُعِلاَّ إعلال " قائمة "، و " قيام " ].
و " مِنْهُم " صفة لـ " خَائِنة " إن أُرِيد بها الصِّفَة، وإن أُرِيد بها المَصْدر قُدِّر مضَاف، أي : من بَعْض خيَانَاتِهِم.
قوله تعالى :" إلاَّ قَلِيلاً " منصُوب على الاسْتِثْنَاء، وفي المُسْتَثْنَى منه أربَعَةُ أقْوال : أظهرُهَا، أنَّه لفظ " خَائِنة "، وهُمَ الأشخاص المَذْكورُون في الجُمْلَةِ قَبْلَه، أي : لا تَزالُ تطَّلِع على مَنْ يَخُون منهم إلاَّ القليل، فإنَّه لا يَخُون فلا تَطلعْ عليه، وهم الذين أسْلَمُوا من أهْلِ الكِتَاب كعَبْدِ الله بن سلام وأصْحَابه.
٢٥٤
قال أبُو البَقَاء :" ولو قُرئ بالجَرِّ على البَدَلِ لكان مُسْتَقِيماً "، يعني على البَدَل من " خَائِنَة "، فإنَّهُ في حيز كلامٍ غير مُوجب.
والثاني ذكره ابْنُ عطيَّة : أنَّهُ الفعل أي : لا تَزَالُ تَطَّلِعُ على فِعْلِ الخيانة إلا فَعْلاً قَلِيلاً، وهذا واضِحٌ إن أُريد بالخِيَانَة أنَّها صِفَةٌ لِلْفَعْلَةِ المقدَّرَة كما تقدَّم، ولكن يبْعد ما قاله ابنُ عطيَّة قوله بعده :" مِنْهُم "، وقد تقدَّم لَنَا نَظِيرُ ذلك في قوله :﴿مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ [النساء : ٦٦] من حَيْث جَوَّز الزَّمَخْشَرِيّ فيه أنْ يكون صِفَةً لمَصْدرٍ مَحْذُوفٍ.
الثالث : أنَّه " قُلُوبهُم " في قوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾، قال صاحب هذا القول : والمُرادُ بِهِمْ :" المُؤمِنُون ؛ لأنَّ القَسْوَة زالت عن قُلُوبِهِم "، وهذا بَعِيدٌ جدًّا ؛ لقوله :" لَعَنَّاهُمْ ".
الرابع : أنَّهُ الضَّمِير في " مِنْهُم " من قوله :﴿عَلَى خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ﴾ قال مَكيّ.
قوله [تعالى] :﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ﴾.
قيل :" العَفْوُ " نُسِخَ بآية السَّيْف، وقيل : لَمْ يُنْسَخُ، وعلى هذا فيه وجهان : أحدهما : معناه : فاعْفُ عن مُؤمنيهم، ولا تُؤاخِذْهُم بما سلَفَ منهم.
الثاني : أنَّا إن حملنا القَلِيل على الكُفَّار [منهم الذين بَقُوا على الكُفْر]، فالمعنى : أنَّ الله تعالى أمر رسوله بالعَفْوِ عنهم في صَغَائِر زَلاَّتِهِم ما داموا بَاقِين على العهد، وهو قَوْل أبِي مُسْلِم.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
قال ابنُ عبَّاسٍ : إذا عَفَوْت فأنْتَ مُحْسِنٌ، وإذا كنْتَ مُحْسناً فقد أحبَّك اللَّه.
وقيل : المراد بهؤلاء المُحْسنين : هم المَعْنيّون بقوله تعالى :﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ﴾ وهمْ الذين ما نَقَضُوا الْعَهْد.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥١
قوله سبحانه :﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ﴾ الآية.
في قوله :﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ﴾ خمسَة أوْجه :
٢٥٥