أيْضاً] ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾، فإنَّه قال :" وقراءة مَنْ قَرأ " يُخَافُون " بالضَّمِّ شاهدة له، ولذلك أنْعَم الله عَلَيْهِما، كأنَّه قيل : من المُخَوفين " انتهى.
والقِرَاءةُ المَذْكُورة مَرْوِيَّة عن ابْن عبَّاسٍ، وابن جُبَيْر، ومُجاهد، وأبدى الزَّمَخْشَرِي - أيضاً - في هذه القِرَاءة احْتِمَالاً آخَر، وهو أن تكُون من الإضَافَةِ ومعناه : من الَّذين يَخُوَّفُون من اللَّه بالتَّذْكِرة والمَوْعِظَة، أو يُخَوِّفهم وَعِيد الله بالعقَابِ.
وتَحْتَمِلُ القِرَاءةُ - أيضاً - وجْهاً آخَر، وهو : أن يكُون المَعْنَى : يُخَافون، أي : يُهَابُون [ويُوَقَّرُون، ويُرْجَعُ] إليهم لِفَضْلِهِم وخَيْرِهِم.
ومع هَذَيْن الاحْتِمَالين الأخِيرَيْن، فلا تَرْجِيحَ في هذه القراءة لِكَون الرَّجُلَيْن من الجبَّارين [أما قوله كذلك :﴿أنعم الله عليهما﴾، أي : في كونه مرجّحاً أيضاً لكونهما من الجبارين] فَغَيْرُ ظاهر، لكون هذه الصِّفَة مُشْتَرَكَة بَيْن يُوشَع وكالب، وبين غيرهما مِمَّن أنْعَمَ اللَّهُ عليه.
قوله :﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ في هذه الجُمْلَة خَمْسَة أوجُه : أظهرها : أنَّها صِفةٌ ثانية فمحَلُّها الرَّفْع، وجيءَ هنا بِأفْصَحِ الاسْتِعْمَالَيْنِ من كونه قدَّمَ الوَصْفَ بالجَارِّ على الوَصْفِ بالجُمْلَةِ لِقُرْبِهِ من المُفْرَد.
والثاني : أنها مُعْتَرَضَةٌ وهو - أيضاً - ظَاهِر.
الثالث : أنَّهَا حالٌ من الضَّمِير في " يَخَافُون " قال مَكِّي.
الرابع : أنَّها حالٌ من " رَجُلانِ "، وجاءت الحالُ من النَّكِرَة، لأنَّها تخصّصت بالوَصْف.
الخامس : أنَّها حال من الضَّمِير المُسْتَتِر في الجَارِّ والمَجْرُور، وهو " مِن الَّذِين " لوُقُوعِهِ صِفَةً لموصُوف، وإذا جَعَلْتَها حَالاً فلا بُدَّ من إضمار " قَدْ " مع المَاضِي، على خلافٍ سلف [في المسألة].
فصل قوله :﴿ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ مُبَالغةٌ في الوَعْدِ بالنَّصْر والظفر ؛ كأنَّه قيل : مَتَى دَخَلْتُم باب بَلَدِهِم انْهَزَمُوا، ولَمْ يَبْق منهم أحَدٌ، وإنَّما جَزَمَ هذان الرَّجُلان في قولهما :﴿فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾ ؛ لأنَّهما كان عَارِفَيْن صِدْق مُوسى - عليه السلام -، فلمَّا
٢٧٣


الصفحة التالية
Icon