سنة، وَنَشَأت [النَّواشئ] من ذراريهم ساروا إلا حرب الجبَّارِين، واخْتَلَفُوا فيمن تولَّى الحرب وعلى يدي من كان الفتح فقيل : إنَّما فَتَح أريحاء موسى، وكان يُوشع على مقدمته، فسار موسى عليه السلام إليهم فيمن بقي من بني إسرائيل فدخلها يوشع، فقالت الجَبَابِرَة ثم دَخَلَها موسى، وأقام فيها ما شاء الله، ثم قَبَضَهُ اللَّه إليه، ولا يعلم قبره أحد، وهذا أصَحُّ الأقوال.
وقيل : إنما قاتل الجبَّارين يُوشع، ولم يَسِر إليهم إلا بعد موت موسى - عليه السلام -، وقالوا : مات مُوسى وهارون جميعاً في التِّيه.
قال القُرْطُبِيُّ : روى مُسْلِمٌ عن أبِي هُرَيْرَة قال :" أرْسَلَ اللَّهُ ملك المَوْتِ إلى مُوسَى - عليه الصلاة والسلام -، فلما جاءَهُ، صَكَّهُ وفَقَأ عَيْنَه، فرجع إلى رَبِّه فقال :" أرْسَلْتَنِي إلى عَبْدٍ لا يُريد الموْتَ "، قال : فَرَدَّ الله إلَيْه عَيْنَهُ، وقال : ارجع إلَيْه وقل له : يضع يده على مَتْن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سَنَة.
قال :" أي رب ثم مَهْ "، قال :" ثم الموت " قال :" فالآن " ؛ فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدّسة رمية بحجر ؛ فقال رسول الله ﷺ :" فلو كنتُ ثَمَّ لأريتُكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثِيب الأحمر " فهذا نبينا ﷺ قد علم قبره ووصف موضعه، ورآه فيه قائماً يصلي كما في حديث الإسراء، إلا أنه يحتمل أن يكون أخفاه الله عن الخلق سواه ولم يجعله مشهوراً عندهم ؛ ولعل ذلك لئلا يُعبد، والله أعلم.
ويعني بالطريق طريق بيت المقدس.
ووقع في بعض الروايات إلى جانب الطُّور مكان الطريق.
واختلف العلماء في تأويل لَطْم موسى عين مَلك الموت وفَقْئها على أقوال ؛ منها : أنها كانت عيناً متخيلة لا حقيقة، وهذا باطل، لأنه يؤدّي إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة له.
ومنها : أنها كانت عيناً معنوية وإنما فقأها بالحجة، وهذا مجاز لا حقيقة.
ومنها : أنه عليه السلام لم يعرف ملك الموت، وأنه رأى رجلاً دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه فدافع عن نفسه فلطم عينه ففقأها ؛ وتجب المدافعة في هذا بكل ممكن.
وهذا وجه حسن ؛ لأنه حقيقة في العين والصّك ؛ قاله الإمام أبو بكر بن خزيمة، غير أنه اعترض عليه بما في الحديث ؛ وهو أن ملك الموت لما رجع إلى الله تعالى قال :" يا رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت " فلو لم يعرفه موسى لما صدق القول من ملك الموت ؛ وأيضاً قوله في الرواية الأخرى :" أجب ربك " يدلّ على تعريفه بنفسه.
والله أعلم.
ومنها : أن موسى عليه الصلاة
٢٧٩
والسلام كان سريع الغضب، إذا غضب طلع الدّخان من قَلَنْسُوته ورفع شعرُ بدنه جبّته ؛ وسرعة غضبه كانت سبباً لصَكِّه مَلَك الموت.
قال ابن العربي : وهذا كما ترى، فإن الأنبياء معصومون أن يقع منهم ابتداء مثل هذا في الرضا والغضب.
ومنها وهو الصحيح من هذه الأقوال : أن موسى عليه الصلاة والسلام عرف ملك الموت، وأنه جاء ليقبض روحه لكنه جاء مجيء الجازم بأنه قد أُمِر بقبض روحه من غير تخيير، وعند موسى ما قد نص عليه نبينا محمد ﷺ من " أن الله لا يقبض روح نبي حتى يخيِّره " فلما جاءه على غير الوجه الذي أُعلم بادر بشهامته وقوة نفسه إلى أدبه، فلطمه ففقأ عينه امتحاناً لملك الموت ؛ إذ لم يصرح له بالتخيير.
ومما يدل على صحة هذا، أنه لما رجع إليه ملك الموت فخيره بين الحياة والموت اختار الموت واستسلم، والله بغيبه أحكم وأعلم.
هذا أصح ما قيل في وفاة موسى عليه السلام.
وقد ذكر المفسرون في ذلك قصصاً وأخباراً الله أعلم بصحتها ؛ وفي الصحيح غُنْيَة عنها.
انتهى.
فصل وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة، فيروى أن يوشع رآه بعد موته في المنام فقال له : كيف وجدت الموت ؟ فقال :" كشاة تسلخ وهي حية ".
وقوله :﴿فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ أي لا تحزن.
[والأسى : الحُزْن، يقال : أسِي - بكسر العين - يَأسَى، بفتحها، ولامُ الكلمة تحتمل أن تكونَ من واوٍ، وهو الظاهرُ لقولهم :" رجل أسْوان " بزنة سكران، أي : كثير الحزن، وقالوا في تثنية الأسى : أسوان، وإنما قُلبت الواوُ في " أسِيَ " يَاءً لانكسار ما قبلَها، ويُحْتمل أن تكون ياءً فقد حُكي " رجل أسْيان " أي كثيرُ الحزن، فتثنيتُه على هذا " أسَيان ".
والله أعلم بغيبه].
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٧٧
واتل عليهم نبأ ابني آدم الآية.
في تعَلُّقِ هذه الآية بما قبلها وُجُوهٌ :
٢٨٠