" كَتَبْنَا " هنا، وهذا الردُّ غير وَاضِح، وأين عَدَمُ الحُسْنِ [بالابتداء] بِذَلك ؛ ابتدأ الله - تعالى - إخْبَاراً بأنَّه كتب ذلك، والإخْبَار مُتعلِّق بقصة ابْنَيْ آدم إلا أنَّ الظَّاهر خلافه كما تقدَّم.
[والجمهور على فتح همزة " أجل "، وقرأ أبو جعفر بكسرها، وهي لغة كما تقدم] ورُوي عنه حذفُ الهمزة، وإلقاءُ حركتها وهي الكسرة على نون " مِنْ "، كما يَنْقِل وَرْش فتحتها إليها، والهاء في " أنَّه " ضمير الأمْر والشَّأن، و " منْ " شرطيَّة مبتدأة، وهِيَ وخَبَرُها في مَحَلِّ رفعٍ خبراً لـ " أن "، فإن قيل : قوله ﴿مِنْ أَجْلِ ذالِكَ﴾ أي : من أجْل ما مَرَّ من قصَّة قَابِيل وهَابِيل كَتَبْنَا على بَنِي إسْرَائيل القصاص وذلك مُشْكِلٌ، لأنه لا مُنَاسَبَة بين واقِعَة قَابِيل وهَابِيل، وبين وُجُوب القِصَاص على بَنِي إسْرائيل.
فالجواب من وجهين : أحدهما : ما تقدَّم نَقْلُهُ عن الحسن، والضَّحَّاك : أنَّ هذا القَتْل إنما وقع في بَنِي إسْرَائيل، لا بَيْنَ ولديْ آدم لصُلْبِه.
الثاني : أن " مِنْ " في قوله ﴿مِنْ أَجْلِ ذالِكَ﴾ ليس إشارة إلى قصَّة قَابِيل وهَابِيل بَلْ هُو إشَارَةٌ إلى ما ذكر في القِصَّة من أنْوَاع المَفَاسِدِ الحاصلة بِسَبَب القتل المحرَّم، كقوله " فأصْبَح من الخَاسِرين "، و " أصْبَح من النَّادِمين "، فقوله " أصبح من الخَاسِرِين " إشارةٌ إلى أنه حَصَل في قلبه أنْوَاع النَّدم والحسرة والحُزْن، مع أنَّه لا دَافِع لذلك ألْبَتَّة.
فإن قيل : حُكْم القِصَاص ثَابتٌ في جميع الأمَم فما فَائِدَة تخْصِيصِه بِبني إسْرائيل ؟.
فالجواب : أنَّ وجوب القِصَاص وإن كان عاماً في جميع الأمَمِ، إلا أنَّ التَّشْديد المَذْكور في حقِّ بَنِي إسْرائيل غير ثَابتٍ في جميع الأدْيَان ؛ لأنَّه - تعالى - حكم هاهُنَا بأن قَتْل النفس جار مُجْرى قَتْل جَمِيع النَّاس، فالمقصود منه : المُبَالَغَة [في عقاب القتل العَمْد العدوان، والمقصود من هذه المُبَالَغَة : أنَّ اليهُود مع عِلْمهم بهذه المُبَالغة العَظِيمة] أقدَموا على قتل الأنبياء والرُّسل، وذلك يدُلُّ على غاية قَسَاوَة قُلُوبهم ونِهَاية بُعْدهم عن طَاعَة الله، ولما كان الغرض من ذكر هذه القصص، تَسْلية الرَّسول في الواقعة التي ذكرْنا، من أنَّهُم عزموا على الفتك برسُول اللَّه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وبأكابر الصَّحابة، [فكان تَخْصِيص] بَنِي إسرائيل في هذه القِصَّة بهذه المُبَالغَة مُنَاسِباً للكَلاَم.

فصل استدلَّ القَائِلُون بالقياس بهذه الآية على أنَّ أحْكَام الله تعالى قد تكون مُعَلَّلة ؛ لأنَّه


٢٩٩


الصفحة التالية
Icon