وقوله تعالى :﴿يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ﴾ كقوله تعالى :﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [النساء : ٢٨] وقد تقدَّم.
والجُمْهُور على " أن يَخرُجُوا " مَبْنيّاً للفاعل وقرأ يحيى بن وثَّاب، وإبْرَاهيم النَّخْعي " يُخْرجُوا " مبنياً للمفعُول وهما واضحتان، والمقصُود من هذا الكلام لُزُوم العذابِ لَهُمْ، وأنَّهُ لا سَبيلَ لهُمْ إلى الخلاصِ مِنْهُ وإرادتهم إلى الخُرُوجِ تحْتَمِلُ وجهيْن : الأوَّل : أنهم قصدوا وطلبُوا المخرج مِنْها، كقوله تعالى ﴿كُلَّمَآ أَرَادُوا ااْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا﴾ [السجدة : ٢٠].
قيل : إذا [لَفَحَتْهُم] النَّار إلى فوق فهُنَاك يتمنُّون الخُرُوج.
وقيل : يَكادُون أن يخْرُجُوا من النَّار ؛ لِقُوَّة النَّارِ ورفعها للمُعَذَّبين.
والثاني : أنهم يتمَنُّون ذلك ويريدُوه بِقُلُوبهم.
فصل احتجَّ أهْلُ السُّنَّة بهذه الآية على أن الله تعالى يُخْرِج من النار من قال : لا إله إلا الله مُخْلِصاً ؛ لأنَّه تعالى جعل هذا المعنى من تَهْديدات [الكُفَّار، وأنواع ما خَوَّفهم به، ولولا أنَّ هذا المعنى يختصُّ بالكفار وإلا لم يكن لِتخصيص] الكُفَّار به معنى، ويؤكده قوله ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾، وهذا يفيد الحصر، فكان المعنى : ولهم عذابٌ مقيمٌ لا لِغَيْرهم كما أن قوله ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ﴾ [الكافرون : ٦] لا لغيركم، فها هُنَا كذلك.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١٣
" و " في اتِّصالها وجهان : الأوَّل : أنه لما أوْجَبَ في الآية المتقدِّمة قَطْع الأيْدي والأرْجُل عند أخذ المالِ على سبيل [المحاربة، بيَّن في هذه الآية أن أخذ المال على سبيل] السَّرِقَة يُوجبُ قطع الأيدي، والأرجُل أيضاً.
٣١٧
الثاني : أنَّهُ لما ذكر تَعْظِيم أمْر القَتْلِ حيث قال :﴿قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ [أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ] فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ [المائدة : ٣٢] ذكره بعد الجنايات التي تُبيحُ القَتْلَ والإيلام فذكر : أولاً : قطع الطريق.
وثانياً : من السَّرقة.
قوله تعالى :" والسَّارقُ والسَّارقَةُ " قرأ الجمهور بالرفع.
وعيسى بن عُمَر وابن أبي عبلة بالنَّصْبِ.
ونقل عن أبيّ :" والسُّرَّق والسُّرَّقة " بضم السِّين وفتح الرَّاء مُشَدَّدَتَيْن ؛ قال الخَفَّاف :" وجدته في مُصْحَفِ أبَيّ كذلك ".
وممن ضبطهما بما ذكرت أبو عمرو، إلاَّ أن ابن عطيَّة جعل هذه القِراءة تَصْحيفاً [فإنَّه قال :" ويُشبهُ أنْ يكُون هذا تَصْحِيفاً] من الضابط ".
لأن قراءة الجماعة إذا كتبت :" والسّرق " : بغير ألف وافقت في الخط هذه، قلت : ويمكن توجيه هذا القِرَاءة بأنَّ " السرق " جمع " سَارِق "، فإنَّ فُعَّلا يَطّرد جَمْعاً لفاعِل صِفَةً، نحو ضارِب وضُرَّب.
والدَّليل على أنَّ المراد الجمع قراءة عبد الله " والسَّارقون والسَّارقَات " بصيغتي جمع السلامة، فدلَّ على أنَّ المُرَاد الجَمْع، إلا أنه يَشْكُل في أنّ " فُعَّلا " يكُون من جمع : فاعِل وفاعلة تقول : نِسَاءٌ ضُرَّب، كما تقول : رِجَالٌ ضُرَّب، ولا يُدْخِلُون عليه تاء التَّأنِيث حيث يُرادُ به الإنَاثُ، والسُّرَّقة هنا - كما رأيت - في هذه القراءة بِتَاءِ التَّأنيث، حيث أُرِيد بـ " فُعَّل " جمع فاعلة، فهو مُشْكِلٌ من هذه الجِهَة لا يقال : إن هذه التَّاء يجوز أن تكُون لِتَأكِيد الجمع ؛ لأنَّ ذلك محفُوظٌ لا يُقَاس عليه نحو :" حِجَارة " وأمَّا قِرَاءَةُ الجُمْهُور فَفِيهَا وجهان : أحدهما : هو مذهَبُ سيَبوَيْه، والمشهُور من أقوال البَصريِّين أن " السَّارِق " مبتدأ مَحْذُوف الخَبَر تقديرُهُ :" فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُم " أو فيما فَرَضَ - " السَّارِق " و " السَّارِقَة " أي : حُكم السَّارِق، وكذا قوله :﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ﴾ [النور : ٢].
٣١٨


الصفحة التالية
Icon