قوله تعالى :﴿وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ﴾ فيه وجهانِ : أحدهما : ما تقدَّم، وهو أنْ يكونَ مَعْطُوفاً على ﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا ااْ﴾ بَيَاناً وتَقْسِيماً.
والثاني : أن يكونَ خبراً مُقَدماً، و " سمَّاعُونَ " مُبْتدأ، والتقديرُ :﴿ومِنَ الذين هادُوا قومٌ سمَّاعُون﴾، فتكونُ جملةً مستأنفة، إلاَّ أن الوجه الأول مُرجَّح بقراءةِ الضَّحَّاكِ :" سمَّاعِينَ " على الذَّمِّ بِفِعْل محذوفٍ، فهذا يدلُّ على أن الكلام لَيْسَ جُملةً مُسْتقلةً، بل قوله :﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا ااْ﴾ عطفٌ على ﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا ااْ﴾.
وقوله " سماعُون " مِثالُ مُبالغَةٍ، و " للْكَذِب " فيهِ وجهانِ : أحدهما : أنَّ " اللامَ " زائدةٌ، و " الكَذِبِ " هو المفعولُ، أي : سمَّاعون الكذبَ، وزيادةُ اللام هُنا مُطَّردة لكوْنِ العامل فَرْعاً، فقوي باللام، ومثلُه ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [البروج : ١٦].
والثاني : أنَّها على بابها مِنَ التعليلِ، ويكونُ مفعولُ " سمَّاعُونَ " مَحْذُوفاً، أيْ : سَمَّاعُون أخْبَارَكُم وأحَادِيثَكُمْ لِيَكْذِبُوا فيها بالزيادَةِ والنَّقْصِ والتَّبْديلِ، بأنْ يُرْجفُوا بِقَتْلِ المؤمنينِ في السَّرَايَا كما نقل من مخازيهم.
وقوله تعالى :﴿سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ﴾ يجوزُ أنْ تكون هذه تكْرِيراً للأولى، فعلى هذا يجوزُ أنْ يتعلَّق قوله :" لِقَومٍ " بنَفْس الكذبِ، أيْ : يَسْمَعُونَ ليَكْذبُوا لأجْل قوْم [ويجوزُ أن تتعلق اللامُ بنفس " سمَّاعون " أي : سمَّاعُونَ لأجل قومٍ لم يأتوك ؛ ] لأنهم لبُغضِهِمْ لا يقربُونَ مَجْلِسكَ، وهم اليهودُ، و " لم يأتُوك " في محَلِّ جرٍّ ؛ لأنَّها صفةٌ لـ " قوم ".
فصل ذكر الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ هاهُنَا وَجْهَيْنِ.
الأول : أنَّ الكلامَ إنَّما يتمُّ عند قوله " ومِنَ الَّذِينَ " ثُم يُبْتَدأ الكلامُ من قوله :﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ [وتقديرُ الكلامِ : لا يحْزُنْكَ الذين يُسارعُونَ في الكفر من المنافِقِينَ ومن اليهُود، ثم بعد ذلك وصفَ الكل بكونهم سمَّاعين لقوم آخرين].
الوجهُ الثاني : أن الكلام تَمَّ عند قوله :﴿لَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ﴾ ثم ابْتَدَأ فقال :﴿وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ وعلى هذا التقدير : فقوله :" سمَّاعُون " صفةُ محذوفٍ والتقديرُ : ومن الذين هادُوا قومٌ سماعُون، وقيل : خبرُ مُبتدأ محذوفٍ، تقديرُه : هُم سمَّاعُونَ.
٣٣٥