بموسى والتوراة وبمحمد والقرآن وبعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
فصل قالت الخوارج : من عصى الله فهو كافر، واحتجوا بهذه الآية، وقالوا : إنها نص في أن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر، وكل من أذنب فقد حكم بغير ما أنزل الله، فوجب أن يكون كافراً، وقال الجمهور : ليس الأمر كذلك، وذكروا عن هذه الشبهة أجوبة منها أن هذه الآية نزلت في اليهود فتكون مختصة بهم.
قال قتادة والضحاك : نزلت هذه الآيات الثلاث في اليهود دون من أساء من هذه الأمة.
وروى البراء بن عازب : أن هذه الثلاثة آيات في الكافرين، وهذا ضعيف ؛ لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقال آخرون : المراد ﴿من لم يحكم بما أنزل الله﴾ كلام أدخل كلمة " من " في معرض الشرط فيكون للعموم، وقولهم : من الذين سبق ذكرهم، زيادة في النص، وذلك غير جائز.
وقال عطاء : هو كفر دون كفر.
وقال طاووس : ليس بكفر ينقل عن الملة، ولا بكفر بالله واليوم الآخر.
فكأنهم حملوا الآية على كفر النعمة لا على كفر الدين، وهو أيضاً ضعيف، لأن إطلاق لفظ الكافر إنما ينصرف إلى الكفر في الدين وقال ابن الأنباري : يجوز أن يكون المعنى ومن لم يحكم بما أنزل الله فقد فعل فعلاً يضاهي أفعال الكفار، وهذا أيضاً ضعيف لأنه عدول عن الظاهر.
وقال عبد العزيز : قوله " بما أنزل " صيغة عموم، ومعنى " أنزل الله " أي : نص الله، حكم الله في كل ما أنزله، والفاسق لم يأت بضد حكم الله إلا في القليل من العمل، أما في الاعتقاد والإقرار فهو موافق، وهذا أيضاً ضعيف، لأنه لو كانت هذه الآية [وعيداً مخصوصاً] لمن خالف حكم الله تعالى، في كل ما أنزله الله لم يتناول هذا الوعيد
٣٥٠
اليهود بسبب مخالفتهم حكم الله في الرجم، وأجمع المفسرون أن هذا الوعيد يتناول اليهود بسبب مخالفتهم حكم الله في واقعة الرجم، فدلَّ على سقوط هذا الجواب.
وقال عكرمة : قوله تعالى :﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ﴾ إنما يتناول من أنكر بقلبه وجحد بلسانه، أما من عرف بقلبه كونه حكم الله إلا أنه أتى بما يضاده، فهو حاكم بما أنزل الله، ولكنه تارك له فلا يلزم دخوله تحت هذه الآية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٤٤
قوله تعالى ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾.
أي كتبنا عليهم في التوراة حكم أنواع القصاص وهو أن حكم الزاني المحصن " الرجم " فغيَّروه وبدَّلوه، وبيَّن أيضاً في التوراة : أن النفس بالنفس فغيَّروا هذا الحكم ففضلوا بني النضير على بني قريظة، وخصصوا إيجاب القود ببني قريظة دون بني النضير فهذا أوجه النظم، ومعنى " كتبنا " أي : فرضنا، وكان شر القصاص أو العفو، وما كان فيهم الدية والضمير في " عليهم " لـ " الذين هادوا ".
قوله تعالى :﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ :" أن " واسمها وخبرها في محل نصب على المفعولية بـ " كتبنا "، والتقدير : وكتبنا عليهم أخْذَ النفس بالنفس.
وقرأ الكسائي " والعَيْنُ " وما عُطِفَ عليها بالرفع، وقرأ نافع وحمزة وعاصم بنصب الجميع.
وقرأ أبو عمرو، وابن كثير، وابن عامر بالنصب فيما عد " الجُرُوح " فإنهم يرفعونها.
فأما قراءة الكسائي فوجَّهَهَا أبو علي الفارسي بثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون " الواو " عاطفة جملة اسمية على جملة فعلية، فتعطف الجمل كما تعطف المفردات، يعني أن قوله :" والعين " مبتدأ، و " بالعين " خبره، وكذا ما بعدها، والجملة الاسمية عطف على الفعلية من قوله :" وَكَتَبْنَا " وعلى هذا فيكون ذلك ابتداء تشريع، وبيان حكم جديد غير مندرج فيما كتب في التوراة.
٣٥١


الصفحة التالية
Icon