الثالث : أنها في محلِّ نَصْبٍ ؛ لأنَّها من جملة قوْلِ المُؤمنين، ويحتمل معنييْن كالمَعْنَيَيْن في الاسْتِئْنَاف، أعني : كونَهُ إخْبَاراً أو دُعَاءً.
الرابع : أنَّها في محلِّ رفع على أنَّها خبر المُبْتدأ، وهو " هؤلاء "، وعلى هذا فيحتمل قوله " الَّذين أقْسَمُوا " وَجْهَيْن : أحدهما : أنَّه صفة لاسْم الإشارة، والخبر :" حَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ ".
والثاني : أن " الَّذِين " خَبَر أوَّل، و " حَبِطَتْ " خبر ثانٍ عند من يُجِيزُ ذلك، وجعل الزمخْشَرِيّ " حَبِطَت أعمَالهم " مفهمة للتَّعجُّب.
قال : وفيه معنى التَّعجُّب كأنَّه قيل :" ما أحَبَطَ أعْمَالَهُم ما أخْسَرَهُمْ "، وأجاز مع كونه تعجُّباً أن يكون من قولِ المؤمنين، فيكون في محلِّ نَصْب، وان يكون من قَوْلِ الباري - تعالى - لكنَّه أوَّل التَّعَجُّبَ في حقِّ الله - تعالى - بأنه تَعْجِيبٌ، قال :" أوْ مِنْ قول الله - عز وجلَّ - شهادة لهم بِحُبُوطِ الأعْمَال، وتعْجِيباً من سُوءِ حالِهِمْ " والمعنى : ذهب ما أظْهَرُوه من الإيمان، وبطل كُلُّ خَيْرٍ عَمِلُوه ؛ لأجل أنَّهم الآن أظْهرَوا مُوالاة اليَهُود والنَّصَارى فأصْبَحوا خَاسِرِين في الدُّنْيَا والآخرة، [أمَّا في الدُّنْيا فلذهَاب ما عَمِلُوا ولم يَحْصُل لهم شيء من ثَمَرتِهِ، وأمَّا في الآخرة] فلاسْتِحْقَاقِهم اللَّعْن والعذاب الدائم، وقرأ أبُو واقد والجرَّاح " حَبَطت " بفتح " الباء "، وهما لُغَتَان، وقد تقدَّم ذلك.
وقوله تعالى :" فأصْبَحُوا " وجه التسبب في هذه الفاء ظاهر.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٨٠
قوله :" مَنْ يَرْتَدَّ " " مَنْ " شرطيَّة فقط لِظُهُور أثَرِها.
وقوله تعالى :" فَسَوْفَ " جوابها وهي مُبْتَدأة، وفي خَبَرِها الخِلافُ المَشْهُور وبظاهره يتمسَّكُ مَنْ لا يَشْتَرِطُ عَوْدَ الضَّمِير على اسْمِ الشَّرْط من جُمْلَة الجواب، ومن الْتَزَم ذلك قدَّر ضَمِيراً مَحْذُوفاً تقديره :" فسوْفَ يأتي الله بِقَوْم غَيْرهم "، فـ " هُمْ " في " غَيْرهم " يعُود على " مَنْ " على مَعْناها.
وقرأ ابنُ عامرٍ، ونافع :" يَرْتَدِد " بداليْن.
٣٨٧
قال الزَّمَخْشَري :" وهي في الإمَام - يعني رسم المُصْحَفِ - كذلك "، ولم يتبين ذلك، ونَقَل غَيْرُهُ أنَّ كل قَارِئ وافَق مُصْحَفَه، فإنَّها في مَصَاحِف " الشَّام " و " المدينة " :" يَرْتَدِدْ " بدالين، وفي البَاقِية :" يَرْتَدَّ "، وقد تقدَّم أنَّ الإدغام لغة " تمِيم "، والإظهَار لغة " الحِجاز "، وأن وجه الإظْهَار سكون الثَّانِي جَزْماً أو وَقْفاً، ولا يُدْغَمُ إلا في مُتَحَرِّك، وأنَّ وجه الإدْغَام تحْرِيك هذا السَّاكن في بَعْضِ الأحْوَال نحو : رُدَّا، ورُدُّوا، ورُدِّي، ولم يَرُدَّا، ولم يَرُدُّوا، واردُدِ القوم، ثم حُمِل " لم يَرُدَّ "، و " رُدَّ " على ذلك، فَكَأنَّ التَميميّين اعتبروا هذه الحركة العارضة، والحِجازيِّين لم يَعْتَبِرُوها.
و " مِنْكُم " في محلِّ نصب على الحال من فاعل " يَرْتَدّ "، و " عَنْ دينهِ " متعلِّق بـ " يَرْتدَّ ".
قوله :" يحبُّهم " في محلِّ جر ؛ لأنها صفةٌ لـ " قَوْم "، و " يُحِبُّونه " فيه وجهان : أظهرهما : أنه معطوف على ما قَبْلَهُ، فيكُون في محلِّ جرِّ أيضاً، فوصفهم بِصفتين : وصفهم بكونه تعالى يُحِبُّهم، وبكوْنِهِم يُحِبُّونَه.
والثاني : أجازه أبُو البقاءِ أن يكُون في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ من الضَّمِير المنصُوب في " يُحِبُّهم "، قال : تقديره :" وهُمْ يُحِبُّونَهُ ".
قال شهاب الدِّين : وإنما قدَّر أبُو البقاءِ لفظة " هُمْ " ليخرج بذلك من إشْكال، وهو أنَّ المُضارع المُثْبَت متى وَقَعَ حالاً، وجبَ تجرُّدُه من " الواو " نحو :" قُمْتُ أضْحَكُ " ولا يجوز :" وأضْحَكُ " وإن وَرَدَ شيءٌ أوِّلَ بما ذَكَرَهُ أبُو البقاء، كقولهم :" قُمْتُ وأصُكُّ عَيْنَه ".
وقوله :[المتقارب] ١٩٨٤ -..................
نَجَوْتُ وَأرْهَنُهُمْ مَالِكَا
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٨٧
أي : وأنَا أصُكُّ، وأنا أرهَنُهم، فتؤوَّل الجملة إلى جُمْلة اسميَّة، فيصحُّ اقترانها بالواو، ولكن لا ضَرُورةَ في الآيَة الكريمَة تدعو إلى ذلك حتَّى يُرْتَكَب، فهو قولٌ مَرْجُوحٌ.
وقدمت محبَّة الله - تعالى - على مَحبتهم لشرفِها وسَبْقِهَا ؛ إذ مَحَبَّتُهُ - تعالى - لهم عِبَارة عن إلْهامهم فِعْلَ الطَّاعةِ، وإثابته إيَّاهُم عليها.

فصل روى الزَّمخشري : أنَّه كان أهْلُ الرِّدَّة إحدى عشرة فرقة في عهد رَسُول الله -


٣٨٨


الصفحة التالية
Icon