بأنه سَيَأتِي الله بِقَوْم يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَهُ.
وعلى هذا التقدير : تكون هذه الآيَةُ إخْباراً عن الغَيْبِ، وقد وقع المخبر على وِفْقِه، فيكون مُعْجِزاً.
واخْتَلَفُوا في القَوْم مَنْ هُم ؟ فقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة والضَّحَّاك وابن جُرَيْج : أبو بكر وأصحابه - رضي الله عنهم - الَّذين قاتلوا أهْلَ الرِّدَّة، قالت عائشة - رضي الله عنها - مات رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -، وارتدَّ من العرب قوم [واشْتَهَر] النِّفَاق، ونزل بِأبي ما لوْ نزل بالجبال الرَّاسِيَات لهاضها، وذلك بأن النَّبِيَّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - لما قبض ارتدَّ عامَّة العرب إلا أهْل مَكَّة والمدِينَة.
والبَحْرين من عَبْد القَيْس، ومنع بعضهم الزَّكاة، وهمَّ أبُو بَكْر بقتالهم، فكره ذلك أصْحَاب رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -.
وقال عمر - رضي الله عنه - : كيف نُقَاتِلُ النَّاس، وقد قال رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - :" أمرت أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولوا : لا إله إلا الله محمُّد رسولُ الله، فمن قَالَهَا فقدْ عَصَم مِنَّي ماله ونَفْسَهُ، إلا بحقِّه، وحِسَابُهُ على اللَّه " فقال أبُو بكر - رضي الله تعالى عنه - :" واللَّهِ لأقَاتِلنَّ من فرق بين الصَّلاة والزَّكاة، فإن الزَّكاة حقُّ المَال، واللَّه لَوْ مَنَعُونِي عنَاقاً كانُوا يُؤدُّونَها إلى رسُولِ اللَّه ﷺ، لقاتَلْتُهُم على مَنْعِها ".
قال أنس - رضي الله عنه - : كَرِهَت الصَّحابة - رضي الله عنهم - قتال مانِعِي الزَّكاة، وقالوا أهْل القِبْلة، فتقلَّد أبُو بكر سَيْفَهُ، وخرج وحده، فلم يَجِدُوا بُدًّا من الخروج على أثره.
قال ابن مسعود : كَرِهْنَا ذلك في الابتدَاء، ثم حَمِدْناهُ عليه في الانتهاء، قال أبو بكر ابن عيَّاش : سمعت أبا حُصَيْن يقول : ما وُلِدَ بَعْد النَّبِيِّين مَوْلُود أفْضَل من أبِي بَكْر - رضي الله عنه -، لقد قام مَقَامَ نَبَيٍّ من الأنْبِيَاء في قتال أهْلِ الرِّدَّة.
وقال السُّديُّ : نزلت الآية في الأنْصَار ؛ لأنَّهُم الذين نَصَرُوا الرَّسُول وأعانُوه على إظْهَار الدِّين.
وقال مُجَاهِد : نزلتْ في أهل " اليَمَن ".
٣٩٠
وقال الكلبي : هُمْ أحْيَاء من اليمن، ألْفان من النَّخْع، وخمسة آلافٍ من كِنْدة وبجيلة، وثلاثة آلاف من أفناء النَّاس، فجَاهَدُوا في سَبِيل الله يوم القَادِسيَّة في أيَّام عُمر - رضي الله عنه -، وروي مَرْفوعاً أن النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - " لما نزلَتْ هذه الآية، أشار إلى أبِي مُوسَى الأشْعَرِيّ وقال :" هُمْ قَوْمُ هَذَا "، وقال آخَرُون : هم الفُرْسُ ؛ لأنه رُوِي أنَّ النَّبِيَّ - صلًّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - لمّا سُئِلَ عن هذه الآية ضَرَبَ يَدَهُ على عَاتِق سَلْمَان الفارسيِّ وقال : هذا وَذَوُوُه، ثمَّ قال : لو كان الدِّين معلَّقاً بالثُّرَيَّا لنالَهُ رِجَالٌ من أبْنَاء فَارِس ".
وقال قوم : إنَّهَا نزلت في عَلِيٍّ - رضي الله عنه - ؛ لأنَّه - عليه الصلاة والسلام - " لما دفع الراية إلى عَلِيّ قال : لأدْفَعَنَّ الرَّاية إلى رَجُلٍ يحبُّ الله ورسُوله ".
قوله تعالى :﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.
هاتان أيضاً صِفَتَان لـ " قَوْم "، واستدلَّ بعضُهم على جواز تَقْدِيم الصِّفَة غير الصَّريحة على الصِّفَة الصَّريحة بهذه الآية، فإن قوله تعالى :" يُحِبُّهم " صِفةٌ وهي غير صَرِيحةٌ ؛ لأنَّها جملة مؤوَّلة بمفْرَد، وقوله :" أذلّة - أعزّة " صِفتَان صريحَتَان ؛ لأنَّهُمَا مفردتان، وأما غيره من النَّحْوِيِّين فيقول : متى اجْتَمَعَت صِفَةٌ صَرِيحة، وأخرى مؤوَّلة وَجَبَ تقدِيم الصَّريحة، إلاَّ في ضرورة شِعْرٍ، كقول امْرِئ القيس :[الطويل] ١٩٨٥ - وَفَرْعٍ يُغَشِّي الْمَتْنَ أسْوَدَ فَاحِم
أثيثٍ كقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٨٧
٣٩١


الصفحة التالية
Icon