" ومن يَتَولَّ " " مَن " شَرْط في محلِّ رفع بالابْتداء.
وقوله تعالى :﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ﴾ جُمْلَة واقعة خبر المُبْتَدأ، والعائد غير مَذْكُور لكوْنِهِ مَعْلُوماً، والتَّقْدِير : فهو غَالِبٌ لكونه من جُنْدِ الله، فيحتملُ أن يكُون جواباً للشَّرْط، وبه يحتجُّ من لا يَشْتَرِط عَوْد ضَمِير على اسْمِ الشَّرْط إذا كان مُبْتَدأ.
ولقائل أن يقول : إنَّما جاز ذَلِك ؛ لأنَّ المُرَاد بحزب الله هو نَفْسُ المُبْتَدأ، فيكون من بَابِ تكْرَار المُبْتَدأ بمعناه، وفيه خِلاف، فالأخْفَش يُجِيزُهُ، فإن التقدير : ومن يَتَولَّ اللَّه ورسُولَهُ والذين آمنوا فإنه غالب، فوضع الظَّاهر موضع المُضْمَر لفائدة، وهي التَّشْرِيف بإضافة الحِزْب إلى اللَّه - تعالى -، ويحتملُ أن يكُون الجوابُ مَحْذُوفاً، لدلالة الكلام عَلَيْه، أي : ومن يتولَّ اللَّه ورسوله والَّذِين آمنُوا يَكُنْ من حِزْب الله الغَالِب، أو يُنْصَر ونحوه ويكون قوله :﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ﴾ دالاًّ عليه، وعلى هَذَيْن الاحتمَالَيْن، فلا دِلَة في الآية على عدم اشْتِرَاط عَوْدِ ضمير على اسْم الشرط.
وقوله :﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ في محلِّ جَزْم إنْ جَعَلْناه جواباً للشَّرْط، ولا محلَّ له إن جعلْنَاهُ دالاًّ على الجواب.
وقوله " هُمْ " يحتمل أنْ يكُون فَصلاً، وأن يكُون مُبْتَدأ.
و " الغَالِبُون " خبره والجُمْلَةُ خبر " إن "، وقد تقدَّم الكلام على ضَمِير الفَصْل.
و " الحِزْب " : الجماعة فيها غِلْظَةٌ وشدَّة، فهو جماعة خَاصَّة، وهو في اللّغَة : أصْحَاب الرَّجُل الَّذين يكُونُون معه على رَأيه، وهم القَوْم الَّذِين يَجْتَمِعُون لأمر حَزَبَهُمْ، وللمُفسرين فيه عِبَارات، فقال الحَسَن : جُنْدُ الله وقال أبو رَوْق : أوْلِيَاء الله، وقال أبو العَالِية : شِيعَتُه، وقال بعضهم : أنْصَار الله، وقال الأخْفَش : حِزْب الله الذين يَدِينُون بدينِهِ ويُطيعُونَه ويَنْصُرُونه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٩٨
لما نهى في الآية الأولى عن اتَّخَاذِ اليَهُود والنَّصَارى أوْلِيَاء، نهى هُنَا عن جَمِيع
٣٩٩
مُوالاَةِ الكُفَّار على العُمُوم، فـ " الَّذِين " وصلتُهُ هو المَفْعُولُ الأوّلِ لقوله " لا تتَّخِذُوا "، والمفعُول الثاني : هو قوله " أولِيَاء "، و " دِينُكُم " مَفْعُول لـ " اتَّخذُوا "، و " هُزُواً " مفعول ثان، وتقدَّم ما في " هُزْءاً " من القِراءَات والاشْتِقَاق.
قوله تعالى :﴿مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ في محلِّ نَصْبٍ على الحَالِ، وصاحِبُها فيه وجهان : أحدها : أنَّهُ الموصول الأوَّل.
والثاني : أنَّه فاعل " اتَّخَذُوا " والثاني من الوَجْهَيْن الأوَّلين : أنه بيانٌ للموصُول الأوَّل، فتكون " مِن " لِبَيَان الجِنْس.
وقوله تعالى :" مِنْ قَبْلكم " متعلِّق بـ " أوتُوا " ؛ لأنَّهم أوتُوا الكِتَاب قَبْلَ المُؤمِنين، والمُرَاد بالكِتَاب : الجِنْس.
وقوله تعالى :" مِنْ قَبْلكم " متعلِّق بـ " أوتُوا " ؛ لأنَّهم أوتُوا الكِتَاب قَبْلَ المُؤمِنين، والمُرَاد بالكِتَاب : الجِنْس.
فصل قال ابن عبَّاس - رضي الله تعالى عنهما - كان رِفاعة بن زَيْد بن التَّابُوت، وسُوَيْد بن الحَارِث قد أظهرا الإسْلام ثم نافَقَا، وكان رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمين يوادُّونَهُما، فأنْزل اللَّه - تعالى - هذه الآية، ومعنى تَلاَعُبِهم واستهْزَائِهِم، إظْهَار ذلك باللِّسَان مع الإصْرَارِ على الكُفْر في القَلْبِ، ونَظِيرُه قوله في ذَلِك في سُورة " البقرة " :﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوا اا آمَنَّا﴾ [آية : ١٤] إلى قوله :﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [آية : ١٤]، والمعنى : أنَّ القَوْم لمَّا اتَّخَذُوا دينكُمْ هُزُواً ولَعِباً وسُخْرِية، فلا تتَّخِذُوهم أوْلِيَاء وأنْصَاراً وأحْبَاباً، فإن ذلك الأمْرَ خَارجٌ عن العَقْلِ والمرُوءَة.
قوله تعالى :" والكُفَّار " قرأ أبُو عَمْرو والكِسَائي :" والكُفَّارِ " بالخَفْض، والباقُون بالنَّصْب، وهما واضِحَتَانِ، فَقِرَاءة الخَفْضِ عَطْفٌ على المَوْصُول المَجْرُور بـ " مِنْ "، ومعناها : أنَّه نَهَاهم أن يتَّخِذُوا المُسْتَهْزِئين أوْلِيَاء، وبَيَّنَ أن المُسْتَهْزِئين صِنفان : أهلُ كتاب متقدِّم، وهم اليَهُود والنَّصارى، وكفارٌ عَبَدة أوْثَان، وإن كان اسم الكُفْر ينطلقُ على الفَرِيقين، إلا أنَّه غَلَبَ على عَبَدَةِ الأوْثان : الكُفَّار، وعلى اليهُود والنَّصارى : أهْل الكِتَاب.
٤٠٠


الصفحة التالية
Icon