قوله تعالى :" هل تَنْقِمُون " : قراءة الجُمْهُور بكسر القَافِ، وقراءة النَّخْعي، وابن أبي عَبْلَة، وأبي حَيْوَة بِفَتْحها، وهاتان القِرَاءتَانِ مفرَّعَتَان على المَاضِي، وفيه لُغَتَان : الفُصْحَى، وهي التي حَكَاهَا ثَعْلَب في " فَصِيحه " : نَقَم بفتح القَاف، يَنْقِم بِكَسْرها.
والأخرى : نَقِم بكسر القاف يَنْقَمُ بفَتْحِها، وحكاها الكَسَائي، ولم يَقْرأ في قوله تعالى :﴿وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ﴾ [البروج : ٨] إلا بالفتح.
قال الكسّائِي :" نقِم " بالكسر لُغَةً، ونَقَمْتُ الأمْر أيضاً، وَنَقِمْتُهُ إذا كَرِهْته، وانْتَقَم اللَّه منه إذا عَاقَبَه، والاسم منه : النِّقْمة، والجمع نَقِمَاتٌ ونَقِمٌ مثل كَلِمة وكَلِمَات وكَلِم، وإن شِئْت سَكَّنت القَافَ، ونَقَلْت حَرَكَتَها إلى النُّون فقلت نِقْمة، والجَمْع : نِقَم، مثل نِعْمة وَنِعَم، نقله القرطبي وأدغم الكسَائِي لام " أهَلْ " في تَاء " تَنْقِمُون "، وَلِذَلِكَ تُدْغَمُ لام " هَلْ " في التَّاء والنُّون ووافقه حَمْزة في التَّاء والثَّاء وأبُو عَمْرٍو في " هَلْ تَرَى " في موضعَيْن.
فصل قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : أتى رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - نَفَرٌ من اليَهُود : أبو يَاسِر بن أخْطَب، ورَافِع بن أبي رَافِع وغيرهما، فَسَألُوه : عمَّن يُؤمِن به من الرُّسُل، فقال :﴿ا ااْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾ [البقرة : ١٣٦]، إلى قوله :﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة : ١٣٦] فلما ذكر عيسى - عليه الصلاة والسلام - جَحَدُوا نُبُوتَهُ، وقالُوا : والله ما نَعْلَمُ أهْلَ دِينٍ أكْثَر خَطَأ في الدُّنْيَا والآخِرَة مِنْكُم، ولا دِيناً شرًّا من دينكُمْ، فأنْزَل الله هذه الآية الكريمة.
قوله تعالى :﴿إِلاَّ أَنْ آمَنَّا﴾، مفعول لـ " تَنْقِمُون " بمعنى : تَكْرَهُون وتَعِيبُون، وهو استِثْنَاء مُفَرَّغٌ.
و " مِنَّا " متعلِّق به، أيْ : ما تَكْرَهُون من جِهَتِنَا، إلاَّ الإيمَان وأصل " نَقَمَ " أن يتعدَّى بـ " عَلَى "، نقول :" نَقَمْتُ عليْهِ كذا " وإنَّما عُدِّيَ هُنَا بـ " مِنْ " لِمَعْنًى يَأتي.
وقال أبُو البَقَاء : و " منَّا " مفعول " تَنْقِمُون " الثَّاني، وما بَعْد " إلاَّ " هو المَفعُول الأوَّل، ولا يجُوز أن يكُون " منَّا " حالاً من " أنْ " والفِعْل لأمْرين : أحدهما : تقدُّمُ الحالِ على " إلاَّ ".
٤٠٣