ولأن القول بأن هذه الفَوَاتح غير معلومة مروي عن أكابر الصَّحابة رضي الله عنهم فوجب أن يكون حقَّاً، لقوله عليه الصلاة والسلام :" أَصْحَابي كالنُّجُوم بأيّهم اقْتَدَيْتُمْ اهتديتم ".
وأما المعقول فهو أنَّ الأفعال التي كلّفنا الله تعالى بها قسمان : منها ما يعرف وَجْهَ الحكمة فيه على الجُمْلَة بعقولنا كأفعال الحَجِّ في رَمْيِ الجَمَرَات، والسَّعي بين الصفا والمروة، والرَّمل، والاضْطِبَاع.
ثم اتفق المحققون على أنه كما يحسن من الله - تعالى - أن يأمر عباده بالنوع الأول، فكذا يحسن الأمر بالنوع الثاني ؛ لأنّ الطَّاعة في النوع الأول، تدلُّ على كمال الانقياد والتسليم، لاحتمال أن المأمور إنما أتى به لما عرف بعقله من وَجْهِ المصلحة فيه.
أما الطاعة في النوع الثاني، فإِنها تدلّ على كمال الانقياد والتسليم، فإذا كان الأمر كذلك في الأفعال، فلم لا يجوز أيضاً أن يكون [الأمر] كذلك في الأقوال ؟ وهو أن يأمر الله - تعالى - تارةً أن نتكلم بما نقف على معناه، وتارةً بما لا نقف على معناه، ويكون المَقْصُود من ذلك ظهور الانقياد والتَّسليم.
القول الثَّاني : قول من زعم أنَّ هذه الفَوَاتح معلومة، واختلفوا فيه، وذكروا وجوهاً : الأوّل : أنها أسماء السّور، وهو قول أكثر المتكلمين، واختيار الخليل وسيبويه رحمهما الله تعالى.
قال القفَّال - رحمه الله تعالى - وقد سّمت العرب هذه الحروف أشياء فسموا بـ " لام " : والد حارثة بن لام الطَّائي، وكقولهم للنَّخاس :" صاد "، وللنقد :" عين "، وللسحاب :" غين ".
وقالوا : جبل " قاف "، وسموا الحوت :" نوناً ".
الثاني : أنها أسماء الله تَعَالى، روي عن علي - رضي الله تَعَالى عنه - أنه كان يقول : يا حم عسق.
الثالث : أنها أبعاض أسماء الله تَعَالى.
٢٥٦
قال سعيد بن جبير رحمه الله : قوله :" الر، حم، ونون " مجموعها هو اسم الرحمن، ولكنا لا نقدر على كيفية تركيبها في البَوَاقي.
الرابع : أنها أسماء القرآن، وهو قول الكَلْبِيّ - رحمه الله تعالى - والسّدي وقتادة رضي الله تعالى عنهم.
الخامس : أن كلّ واحد كمنها دالّ على اسم من أسماء الله - تعالى - وصفة من صفاته.
قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في " الم " :" الألف إشارة إلى أنه [أحد، أول، آخر، أزلي، " واللام " إشارة إلى أنه لطيف، " والميم " إشارة إلى أنه] مَلِك مَجِيد مَنَّان ".
وقال في " كهيعص " : إنه ثناء من الله - تعالى - على نفسه، " والكاف " يدل على كونه كافياً، " والهاء " على كونه هادياً، " والعين " على العالم، " والصاد " على الصادق.
وذكر ابن ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه حمل " الكاف " على الكبير والكريم، " والياء " على أن الله يجير، " والعين " على أن الله العزيز والعدل.
والفرق بين هذين الوجهين أنه في الأول خصّص على كل واحد من هذه الحروف باسم معين، وفي الثاني ليس كذلك.
السادس : بعضها يدلّ على أسماء الذات، وبعضها على أسماء الصّفات.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في " الم " أنا الله أعلم، وفي " المص " أنا الله أفصل، وفي " الر " أنا الله أرى، وهذه رواية أبي صالح، وسعيد بن جبير عنه.
قال الزَّجَّاج :" وهذا أحسن، فإن العرب تذكر حرفاً من كلمة تريدها كقولهم :[مشور السريع] ٩٨ - قُلْنَا لَهَا : قِفِي لَنَا قَالت : قَافْ
………………..
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٥١
٢٥٧
وأنشد سيبويه لغيلان :[الرجز] ٩٩ - نَادُوهُمْ أَنَ الْجِمُوا، أَلاَ تَاَ
قَالُوا جَمِعاً كُلُّهُمْ أَلاَ فَا
أي : لا تَرْكَبُوا، قالوا : بَلَى فَارْكَبُوا.
وأنشد قُطْرب :[الرجز] ١٠٠ - جَارَيَةٌ قَدْ وَعَدَتْنِي أنْ تَا
تَدْهُنَ رَأْسي وَتُفَلِّيني وَتَا