وملحها، فخلقَ منه آدم عليه الصلاة والسلام فكلُّ شيء خلقه من عَذْبها، فهو صائرٌ إلى الجَنَّةِ، وإن كان ابن كافر، وكُلُّ شيء خَلَقَهُ من ملحها فهو صائرٌ إلى النَّارِ وإنْ كان ابن تِقيِ ؛ فَمنْ ثمَّ قال إبليسُ :﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾ [الإسراء : ٦١] ؛ لأنَّه جاء بالطينة ؛ فسمي آدم، خُلِقَ من أديم الأرض.
وعن عبد الله بن سلام قال : خلق الله آدم في آخر يوم الجمعة.
وعن عبد الله بن عباس قال :" لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آد‍َم كان رأسُه يَمَسْ السماءِ - قال - فوطده إلى الأرض حتَّى صار ستِّينَ ذِرَاعاً في سَبْعَةِ أذْرُعٍ عَرْضاً ".
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في حديث فيه طول : وحَجَّ آدمُ - عليه السلام - من " الهِنْد " أربعين حجَّةُ على رِجْلَيْهِ، وكان آدمُ حين أُهبط تمسح رأسه السَّمَاء فمن ثَمَّ صَلَعَ، وأوْرثَ ولَدُهُ الصَّلعَ، ونفَرَت من طوله دواب الأرض، فصارت وحشاً من يومئذٍ، ولَمْ يَمُتْ حتىَّ بلغ ولده وولدُ ولدِه أربعين ألفاً وتوفي على ثور الجَبَلَ الذي أنزل ؛ فقال شيث لجبريل :" صَلَّ عَلَى آدَمَ " فقال له جبريلُ : تقدَّم أنْتَ فصلِّ على أبيك كبر عليه ثلاثين تكبيرة، فأما خمس فهي الصلاة، وخمس وعشرون تفضيلاً لآدم.
وقيل : وكبِّرْ عليه أربعاً، فجعل أبو شيث آدم في مَغَارةٍ، وجَعَلوا عليها حافظاً لا يَقْربُهُ أحدٌ من بين قابيل، وكان الذين يأتونه ويَسْتَغْفِرُون له " بنو شيث " وكان عُمْرُ آدم تسعمائة سنة وستاً وثلاثين سنة.
قوله :" ثُمَّ قَضَى " إذا كان " قَضَى " بمعنى أظهر فـ " ثُمَّ " للترتيبِ الزماني على أصلها ؛ لأنَّ ذلك متأخِرٌ عن خَلْقِنا، وهي صفة فعل، وإن كان بمعنى " كَتَب " و " قَدَّر " فهي للترتيب في الذِّكرِ ؛ لأنَّها صِفَةُ ذاتٍ، وذلك مُقدَّمّ على خَلْقِنا.
قوله :﴿وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ﴾ مبتدأ وخبر، وسوِّغَ الابتداء هنا شيئان : أحدهماك وَصْفُهُ، كقوله :﴿وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِن﴾ [البقرة : ٢٢١].
والثاني : عَطْفُهُ بـ " ثمَّ " والعطفُ من المُسَوِّغَاتِ.
قال الشاعر :[البسط] ٢١٠٣ - عِنْدِي اصْطِبَارٌ وشَكْوَى عِنْدَ قَاتِلْتِي
فَهَلْ بأعْجَبَ مِنْ هَذَا امْرُؤّ سَمِعَا ؟
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٣
والتنكير في الأجلين لإبهام، وهنا مُسَوَّغُ آخر، وهو التفصيل كقوله :[الطويل] ٢١٠٤ إذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَه
ُ بِشِقِّ وَشِقٌ عِنْدّنَا لَمْ يُحَوَّل
١٦
ولم يَجِبْ هُنا تقديمُ إن كان المبتدأ نكرةً، والخبرُ ظرفاً، قال الزمخشري :" لأنَّه تخصَّصَ بالصفة فقاربَ المعرفة ".
قال أبو حيَّان :" وهذا الذي ذَكَر من كَوْنِهِ مُسَوِّغاً للابتداء بالنكرة لكونها وُصِفَتْ لا تتعيَّنُ، لجواز أنْ يكونَ المُسَوِّغُ التفصيلَ " ثُمَّ أنشد البيت :- ٢١٠٥ إذَا مَا بَكَى...................
........................................
قال شهابُ الدين : والمزخشري م يَقُلْ : إنَّهُ تعيَّن ذلك حتَّى يُلْزِمَهُ به، وإنَما ذكر أشْهَرَ المسَّوغات فإنَّ العطف والتفصيل قَلَّ مَنْ يذكرُهما في المسوِّغات.
قال الزمخشري :" فإنْ قٌلت : الكلامُ السَّائِرُ أن يُقال :" عندي ثَوْبٌ جيَّدٌ، ولي عبدٌ كَيِّسٌ " فما أوجب التقديم ؟.
قلت : أوجبه أنَّ المعنى : وأيُّ أجَلٍ مسمى عنده، تعظيماً لشأن الساعة، فلمَّا جرى فيها هذا المعنى أوجب التقديم ".
قال أبو حيان : وهذا لا يجوز ؛ لأنه إذا كان التقدير : وأيُّ أجلٍ مسمى عنده كانت " أي " صفة لموصوف محذوف تقديره : وأجل مسمى عنه ولا يجوز حذفُ الصفةِ إذا كانت " أيّا " ولا حَذْفٌ موصوفها وإبقاؤها.
لو قلت :" مررتُ بأيِّ رجل " تريدُ برجلٍ أيِّ رجل م يَجُزْ.
قال شهاب الدين : ولم أدْرِ كيف يؤاخَدُ من فَسَّر معنّى بلفظٍ لم يَدِّع أن ذلك اللًّفْظَ هُوَ أصْلُ كلام المفسر، بل قال : معناه كيت وكيت ؟ فكيف يلزمه أنْ يكَون ذلك الكلام الذي فَسَّر به هو أصْل ذلك المُفَسِّر ؟ على أنَّه قَدْ وَرَدَ حَذْفُ موضوف " أيّ " وإبقاؤها كقوله :[المتقارب] ٢١٠٦ - إذا حَارَبَ الحَجَّاجُ أيَّ مُنَافِقِ
عَلاَهُ بِسَيفٍ كُلمَّاً هَزَّ يَقْطَعُ
قوله :" ثُمَّ " أنْتُم تَمْتَرُونَ " قد تقدَّم الكلامُ على " ثُمَّط هذه.
و " تمترون " تَفْتَعُون من المِرْيَةِ، وتقدَّم معنها في " البقرة " عند قوله :﴿مِنَ الْمُمْتَرِين﴾ [البقرة : ١٤٧].
وجعل أبو حيَّان هذا من باب الاتْتِفَاتِ، أعني قوله :" خَلَقكُمْ ثُمَّ أنْتُم تَمْتَرُون "، يعني أنَّ قوله :" ثُمَّ الذين كفروا " غائبٌ، فالْتَفَتَ عنه إلى قوله :" خَلَقكُمْ ثُمَّ أنْتُم " ثُمَّ كأنَّه اعترض على نفسه بأنَّ خَلْقَكم وقضاءَ الأجلِ لا يَخْتَصُّ به الكُفَّار، بل المؤمنون مِثْلُهم في ذلك.
١٧


الصفحة التالية
Icon