قال الكَلْبِيُّ : أتى أهْلُ " مكة " رسوله الله ﷺ، فقالوا : أرِنَا من يشهد بأنك رسول اللَّهِ، فإنَّا لا نَرَى أحَداً يُصَدِّقك، ولقد سالنا عنك اليهود والنصارى، فزعموا أنه ليس لك عِنْدَهُمْ ذكرٌ، فأنزل الله تعالى :﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادة﴾ أي : أعظم شهادة، فإن أجَابُوكَ، وإلاَّ فقل :﴿اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُم﴾ على ما أقول لأني أوحي إليَّ هذا القُرْآن مُعَجزاً لأنكم أنتم البُلَغَاءُ والفصحاء، وقد عجزتم عن مُعَارضته، فكان مُعْجِزاً، وإذا كان مُعْجِزاً كان إظهار الله - تعالى - له على وَفْقِ دَعْواي شهادة من اللَّهِ على كوني صادقاً في دَعْوَاي.
قوله تعالى :﴿أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ﴾ مبتدأ وخبرٌ، وقد تقدَّمَ أن " أيَّا " بعض ما تضاف إليه، فإذا كانت استفهامية اقتضى الظَّاهِرُ أن يكون مُسَمَّى باسم ما أضيف إليه.
قال أبو البقاء - رحمه الله - :" وهذا يُوجِبُ أن يُسَمّى اللَّهُ تعالى " شيئاً "، فعلى هذا تكون الجلالةُ خبرَ مبتدأ محذوف [ والتقدير : الله أكبر شَهَادَةً، و " شهيد " على هذين القولين خَبَرُ مبتدأ محذوف] أي : ذلك الشيء هو الله تعالى، ويجوز أن تكون الجلالة مبتدأ خبره محذوف أي : هو شهيدٌ بيني وبينكم، والجملةُ من قوله :" قل اللَّه " على الوَجْهَيْنِ المتقدمين جواب لـ " أي " من حَيْثُ اللفظ والمعنى، ويجوز أن تكون الجلالةُ مبتدأ، و " شهيد " خبرها، والجملة على هذا جواب لـ " أيّ " من حيث المعنى، أي : إنها دالّةٌ على الجواب، وليست به.
قوله :" شَهَادَةً " نَصْبٌ على التمييز، وهذا هو الذي لا يَعْرَفُ النحاةُ غيره.
وقال ابن عطية - رضي الله عنه - : ويَصِحُّ على المفعول بأن يُحْمَلَ " أكثر " على
٦٤
التشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل وهذا ساقط جدّاً ؛ إذ نصَّ النحويون على أان معنى شبهها باسم الفاعل في كونها تؤنّث وتُثَنَّى، وتُجْمَعُ، وأفعلُ مِنْ لا تُؤنَّثُ ولا تُثَنَّى ولا تُجْمَعُ، فلم يُشبه اسم الفاعل، حتَّى إنَّ أبا حيَّان نَسَبَ هذا الخِبَاطَ إلى النَّاسخِ دون أبي محمد.
قوله :" بيني وبينكم " متعلِّقٌ بـ " شهيد "، وكان الأصل : قل اللَّهُ شهيدٌ بيننا، فكُرِّرت " بين " توكيداً، وهو نظير قوله :[الوافر] ٢١٢١ - فَأيِّي ما وأيُّكَ كَانَ شَرًّا
فَسيقَ إلى المَقَامَةِ لا يَرَاهَا
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٤
وقوله :[الرجز] ٢١٢٢ - يَا ربَّ مُوسَى أظْلَمِيَ وأْظْلَمِيَ وأظْلَمُه
ْ أرسل عليه مَلِكاً لا يَرْحَمُهْ
وقوله :[الكامل] ٢١٣٣ - فَلَئِنْ لَقيتُكَ خَالِيَتْنِ لَتَعْلَمَنْ
أيِّي وَأيُّك فَارِسُ الأحْزَابِ
والجامع بينهما : أنَّهُ لمَّا أضاف إلى " الياء " وَحْدَها احتاج إلى تكرير ذلك المضاف.
ويجوزُ أبو البقاء أن يكون " بيني " متعلّقاً بمحذوف على أنَّهُ صفة لـ " شهيد "، فيكون في مَحَلّ رفع، والظاهر خلافُهُ.
قوله :" وأوْحِيَ " الجمهور على بِنَائِهِ للمفعول، وحُذِف الفاعل للعمل به، وهو الله تبارك وتعالى.
و " القرآن " رفع به.
وقرأ أبو نهيك، والجحدري، وعكرمة، وابن السَّمَيْفَع :" وأوْحَىط ببنائه للفاعل، " القرآن " نَصْباً على المفعول به.
و " لأنْذِرَكُمْ " متعلِّقٌ بـ " أوحي ".
قيل : وثمَّ مَعْطُوف حُذِفَ لدلالة الكلام عليه، أي : لأنذركم به وأبَشِّركم به، كقوله
٦٥


الصفحة التالية
Icon