قال : ابن عطية :" هو اسمُ جمع لا واحد له من لفظه " وهذا ليس بشيء ؛ لأنَّ النحويين قد نَصُّوا على أنه كان على صيغةٍ تَخُصُّ الجُمُوع لم يُسمُّوه اسم جمع، بل يقولون : هو جمع كـ " عَبَاديد " و " شَمَاطِيط "، فظاهر كلام الرَّاغب - رحمه الله تعالى - : أن " أساطير " جمع " سَطَر " بفتح الطاء، فإنه قال : وجمع " سَطَر " - يعين بالفتح - " أسطار " و " أساطير ".
وقال المُبَرَّد - رحمه الله تعالى - : هي جمع " أسْطُورة " نحو :" أرْجُوحَة " و " أراجيح " و " أحْدُوثَة " و " أحاديث ".
ومعنى " الأساطير " : الأحاديث الباطلة والُّرَّهَات ممَّا لا حَقيقَةَ له.
وقال الواحدي - رحمه الله تعالى :- أصلُ " الأسَاطير " من " السَّطْر " وهو أن يجعل شيئاً ممتداً مُؤلَّفاً، ومنه سَطْرُ الكتاب، وسطر من شجر مفروش.
قال ابن السكيت : يقال سَطْرٌ وسِطْرٌ، فمن قال :" سَطْر " فجمعه في القليل " أسْطُر "، والتكثير " سْطُور "، ومن قال :" سِطْر " فجمعه " أسْطَار "، و " الأساطير " جمع الجمع.
وقال الجبائي - رحمه الله تعالى - : واحدُ الأساطير " أسْطُور " و " أسطورة " و " إسطيرة ".
قال جمهور المفسرين : أساطير الأولين ما سَطَّرَهُ الأوَّلون.
وقال ابن عباس : معناه أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها، أي : يَكْتُبُونَهَا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٧٨
قوله :﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ في الضميرين - أعني " هم " وهاء " عنه " - أوجه : أحدهما : أن المرفوع يعود لعى الكُفَّارِ، والمجرور يعود على القرآن الكريم، وهو أيضاً الذي عَادَ عليه الضَّميرُ المَنْصُوب من " يَفْقَهُوه "، والمُشَارُ إليه بقولهم :" إنْ هَذَا ".
والثاني : أنَّ " هم " يعود على من تَقدَّمَ ذكرهم من الكُفَّار، وفي " عنه " يعود على الرسول، وعلى هذا ففيه الْتَفَاتٌ من الخطاب إلى الغَيْبَةِ، فإن قوله :﴿جَاءُوَكَ يُجَادلونك﴾ خطابٌ للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام، فخرج من هذا الخطاب إلى الغَيْبَةَ.
وقيل : يعود المرفوع على أبي طالب وأتْبَاعِهِ.
وفي قوله :" يَنْهَوْنَ " و " يَنْأوْنَ " تَجْنِيسُ التصريف، وهو عِبَارةٌ عن انفراد كل كلمة
٨٤
عن الأخرى بحرف فـ " ينهون " انفردت بالهاء، و " يَنْأوْن " بالهمزة، ومثله قوله تعالى :﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ﴾ [الكهف : ١٠٤] ﴿بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُون﴾ [غافر : ٧٥].
وقوله عليه الصلاة والسلام :" الخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيْهَا الخَيْرُ "، وبعضهم يسميه " تجنيس التَّحْريف " وهو الفرق بين كلمتين بحرف وأنشدوا في ذلك قول القائل :[الكامل] ٢١٢٨ - إنْ لَمْ أشُنَّ عَلَى ابْنِ حَرْبٍ غَارَةً
لَمْ تَخْلُ يَوْماً مِنْ نِهابِ نُفُسِ
وذكر غيره أن " تجنيس التحريف " هو أن يكون الشَّكْلُ، فرقاً بين كلمتين، وجعل منه " اللُّهِى تفتح اللَّهى " وقد تقدَّم تحقيقه.
وقرأ الحسن و " يَنَوْن " بإلقاء حركة الهمزة على النونه وحذفها، وهو تخفيف قياسي.
و " النَّأيُ " : البُعْدُ، قال :[الطويل] ٢١٢٩ - إذَا غَيَّرَ النَّأيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَزَل
ْ رَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةً يبْرَحُ
وقال الآخر في ذلك، فأجَادَ، [الطويل] ٢١٣٠ - ألاَ حَبَّذا هِنْد وأرْضٌ بِهَا هِنْدُ
وهِنْدٌ أتَى مِنْ دُونِهَا النَّايُ والبُعْدُ
عطف الشيء على نفسه للمُغَايَرَةَ اللَّفْظيَّة يقال : نَأي زيد يَنْأى نَأياً، ويتعدَّى بالهمزة، فيقال : أنْأيْتُهُ، ولا يُعَدِّى بالتضعيف، وكذا كل ما كان عينه همزةً.
ونقل الواحدي أنه يقال : نَأيْنُهُ بمعنى نَأيْتُ عنهُ.
وأنشد المُبَرِّدُ :[الطويل] ٢١٣١ - أعَاذِلُ إنْ يُصْبِحْ صَدَاي بِقَفْرَةٍ
بَعيداً نآنِي صَاحِبِي وَقَريبِى
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٤
٨٥
أي : نَأى عَنَّي.
وحكى اللَّيْثُ :" نَأيْثُ الشيء "، أي : أبْعَدْتُهُ، وأنشد :[الطويل] ٢١٣٢ - إذَا مَا الْتَقَينا سَالض مِنْ عَبَرَاتِنَا
شَآبيبُ يُنْأى سِيْلُهَا بالأصَابِع
فَبَنَاهُ للمفعول، أي : يُنَحِّى ويُبْعَدُ.
والحاصلُ أنَّ هذه المادة تَدُلُّ على البُعْدِ، ومنه أتَنَأى أي : أفْعَلُ النَّأيَ.
والمَنْأى : الموضع البعيدُ.
قال النابغة :[الطويل] ٢١٣٣ - فَإنَّكَ كالمَوْتِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي
وَإنْ خِلْتُ أنَّ المُنْتَأى عَنْكَ وَاسِعُ