ويجوز أن تكون القَلْبِيَّةَ، [والمعنى :] ولو صرفتع فكرك الصحيح لأنْ تَتَدَبَّرَ حَالَهُمْ لازْدَدْتَ يقيناً.
وفي " لو " [هذه] وجهان : أظهرهما : أنها الامتناعية، فينصرف المُضَارعُ بعدها للمُضِيَّ، فـ " إذا " باقيةٌ على أصلها من دلالتها على الزَّمِنِ الماضي، وهذا وإن كان لم يقع بعدُ ؛ لأنه سيأتي يوم القيامة، إلاَّ أنه أبرز في صورة الماضي لتحقُّقِ الوَعْدِ.
والثاني : أنها بمعنى " أنْ " الشَّرطيَّة، و " إنْ " هنا تكون بمعنى " إذا "، والذي حمل [هذا] القائل على ذلك كَوْنُهُ لم يقع بعد وقد تقدَّمَ تأويله.
وقرأ الجمهور - رضي الله عنهم :- " وُقِفُوا " مبنيَّا للمفعول من " وقف " ثلاثياً [و " على " يحتمل أن تكون على بابها وهو الظاهر أي : حبسوا عليها، أو عرضوا عليها، وقيل : يجوز] أن تكون بمعنى " في "، أي في النَّار، كقوله :" " عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ "، اي : في ملك سليمان.
وقرأ ابن السَّمَيْفَعِ، وزيد بن علي :" وَقَفُوا " مبيناً للفاعل.
و " وَقَفَ " يتعدَّى ولا يتعدَّىن وفرَّقَتِ العَرَبُ بينهما بالمَصْدَرِ، فمصدر اللازم على " فُعُول "، ومصدر المُتعدِّي على " فَعْل " ولا يقال : أوْقَفْتُ.
قال أبو عمرو بن العلاء :" لم أسْمَعْ شيئاً في كلام العرب :" أوقفت فُلاناً "، إلاَّ أنِّي لو رأيت رَجُلاً وافقاً فقلت له :" ما أوقفك هاهنا " لكان عندي حَسَناً " وإنما قال كذلك ؛ لأنَّ تعدِّي الفِعْل بالهمزة مقيسٌ نحو : ضحك زيدٌ وأضحكته أنا، ولكن سَمِعَ غيره في " وقف " المتعدي أوقفته.
قال الراغب :" ومنه - يعني من لفظِ وقفتُ القوم - اسْتُعِيرَ وقفت الدَّابَّة إذا سَبلْتَهَا " فجعل الوقف حقيقةٌ في مَنْع المشي، وفي التَسْبِيلِ مَحَازاً على سبيل الاسْتِعَارَةِ، وذلك أن الشَّيْءَ المُسْبَلَ كأنه ممنوعٌ من الحركةن والوقف لفظٌ مشترك بين ما تقدَّمَ وبين سوارٍ من عاجٍ، ومنه : حمار مُوقَّفٌ بأرْسَاغِهِ مِثْلُ الوقْفِ من البَيَاضِ.
فصل في معنى الوقوف على النار وقال الزجاج - رحمه الله تعالى - : ومعنى وقفوا على النَّار يحتمل ثلاثة أوجه :
٨٩
الأول : يجوز أن يكون قد وفقوا عندها وهم يُعَاينُوها فهم موقوفون على أن يدخلوا النار.
الثاني : يجوز أن يكون وقفوا عليها وهي تحتهم بمعنى أنهم وقفوا فوق النَّار على الصِّراطِ، جِسْرٌ فوق جَهَنَّمَ " على النَّار ".
[الثالث :] معناه : أنهم عرفوا حقيقتها تعريفاً من قولك :" وقَّفْتُ فلاناً على كلام فلان " أي : عَلَّمتُهُ معناه وعرَّفته، وفيه الوجه المتقدِّم، وهو أن يكون " على " بمعنى " " في "، والمعنى أنهم يكونون غَائِصينَ في النَّارِ، وإنَّما صحَّ على هذا التقدير أن يقول : وقفوا على النَّار، لأن النَّار دَرَكَاتٌ وطَبَقَاتٌ بعضها فوق بعض، فيصح هناك معنى الاسْتِعْلاَء.
قوله :" يا لَيْتنا " قد تقدَّم الكلام في " يا " المُبَاشرة للحرف والفعل.
وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير، والكسائي " ولا نثكَذِّبُ " و " نكون " برفعهما وبنَصْبهمَا حمزة، وحفصُ عن عاصم، وبرفع الأول ونصب الثاني ابن عامر، وأبو بكر.
ونقل أبو حيَّان عن ابن عامرٍ أنَّهُ نصب الفعلين، ثم قال بعد كلام طويل : عن ابن عامر :" ولا نكذِّب " بالرفع، و " نكون " بالنصب، فأمَّا قراءة الرفع فيهما، ففيها ثلاثةُ أوجه : أحدهما : أن الرفع فيهما على العَطْفِ على الفِعْلِ قبلهما، وهو " نُرَدُّ "، ويكونون قد تَمَنَّوا ثلاثة أشياء : الرَّدّ إلى دار الدنيا، وعدم تكذيبهم بآيات ربهم، وكونهم من المؤمنين.
والثاني : أن " الواو " واو الحال، والمضارع خبر مبتدأ مُضْمَرٍ، والجُمْلَةُ الاسمية في مَحَلِّ نصب على الحال من مرفوع " نُرَدُّ ".
والتقدير : يا ليتنا نُرَدُّ غيرَ مكذَّبين وكائنين [من المؤمنين فيكون تمني الرد مقيداً
٩٠


الصفحة التالية
Icon