قال شهابُ الدين : فلنا فيه بحث حَسَنٌ أوْدَعْنَاهُ " التفسير الكبير " ولله الحمد [قال : وبهذا] يظهر فَسَادُ ردِّ المهدوي على الرُّمَّاني، فإنَّ الرُّمَّاني قال :" اللَّعِبُ عَمَلٌ يُشْغِلُ النفس عما تنفعُ به، واللَّهْوُ صَرْقُ النفس من الجدِّ إلى الهَزَل، يقال : لَهَيْتُ عنه، أي صَرَفْتُ نفسي عنه ".
قال المهدوي - رحمه الله - :" وفيه ضَعْفٌ وبُعْدٌ، لأنَّ الذي فيه معنى الصَرِفِ لامه ياء، بدليل قولهم في التَّثْنية لَهْيَان " انتهى.
وقد تقدَّم فَسَادُ هذا الرَّدِّ.
وقال الراغب :" اللَّهْوُ ما يَشْغَلُ الإنسانَ عما يَعْنيهِ ويَهُمُّهُ، يقال : لَهَوْتُ بكذا أوْ لَهَيْتُ عن كذا : استغلْتُ عنه بِلَهْوٍ ".
وهذا الذي ذكره الراغب هو الذي حمل المهدوي على التَّفْرِقَةِ بين المَادَّتَيْنِ.
فصل في ذم الحياة الدنيا اعلم أن منكري البعث تعْظُمُ رغبتهم في الدُّنيا، فَنَبَّه اللَّهُ - تعالى - في هذه الآية تصح إلا فيها، فلهذا السبب حصل في تفسير الآية قولان : الأول : قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : يريد حَيَاةَ أهل الشرك والنفاق ؛ لأن حياة المؤمن يحصل فيها أعْمَالٌ] صالحة.
والثاني : أنه عَامٌ في حياة المؤمن والكافر وإنما سماها باللعب واللَّهْوِ ؛ لأن الإنسان حال اشتغاله باللَّعِبِ واللهو، فإنه يَلْتَذُّ به، وعند انْقَضَائها إلاَّ النَّدامَةُ]، وفي تسمية هذه الحياة باللعب واللَّهْوِ وجوه : أحدهما : أن مُدَّة اللَّعِبِ واللَّهْوِ قليلةٌ سريعةُ الانقضاء، وكذلك هذه الحياة الدنيا.
وثانيها : أنَّ اللعب واللهو إنما يَحْصُلُ عند الاغتِرَارِ بَظَوَاهِرِ الأمور، وأمَّا عند التَّأمُّلِ التَّامِّ لا يبقى اللعب واللهو أصْلاً، وكذلك فإن اللعب واللهو إنما يَحْصُلُ للصِّبْيَان والجُهَّال والمُغَفَّلِينَ.
١٠٦
وأمَّا العقلاءُ والحُصفَاء فَقلّما يحصلُ لهم خوضٌ في اللعب واللهو وكذلك الالتذَادُ بطيبات الدنيا لا يحصل إلا للمغفّلين الجُهَّال بحَقَائق الأمور.
وأما المحققون فإنهم أن كل هذه الخيرات غُرُورٌ وليس لها في نفس الأمر حقيقة معتبرةٌ.
قوله :" وللدَّارُ الآخرةُ " قرأ الجمهور بلامين، الأولى لام الابتداء، والثانية للتعريف، وقرأوا " الآخرةُ " رفعاً على أنها صَفَةٌ لـ " الدار " و " خَيْرٌ " خبرها.
وقرأ ابن عامر :" ولَدَارُ " بلامٍ واحدة هي لام الابتداء، و " الآخرةِ " جرُّ بالإضافة، وفي هذا القراءة تأويلان : أحدهما : قول البصريين، وهو [أنه] من باب حَذْفِ الموصوف، وإقامة الصفة مُقَامَهُ، والتقدير : ولَدَارُ السَّاعةِ الآخرة، أو لَدَارُ الحياة الآخرة، يِدُلُّ عليه ﴿وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ ومثله قولهم : جَبَّةُ البَقْلَةِ الحَمْقَاءِ، ومَسْجِدُ المَكَانِ الجَامِعِ، وصلاةُ السَّاعَةِ الأولَى، ومكانُ الجَانِبِ الغَرْبِيّ].
وحَسَّن ذلك ايضاً في الآية الكريمة كونُ هذه الصفة جَرَتْ مجرى الجوامد في إيلائها العوامل كثيراً، وكذلك كلُّ ما جاء مما تُوُهِّمَ فيه إضَافَةُ الموصوف إلى صفته، وإنما احتاجوا إلى ذلك [كثيرا لئلا يلزم] إضافة الشيء إلى نفسه وهو ممتنعٌ ؛ لأن الإضافة إمَّا للتعريف، أو للتخصيص، والشيء [لا يعرف نفسه] ولا يُخَصِّصُهَا، وهذا مَبْنِيُّ على أنَّ الصِّفَةَ نفس الموصوف، وهو مشكلن لأنه لا يعقل تصور المصوصوف وصَفَتُهُ جازت إضافته إليها، وأوردوا ما قدَّمْتُهُ من الأمثلة.
قال الفرَّاء : هي إضافة الشيء إلى نفسه، كقولك :" بَارِحَةُ الأولى " و " يوم الخميس " و " حَقُّ اليقين "، وإنما يجوز عند اختلاف اللَّفظَيْنِ وقراءة ابن عامر موافقة لمُصْحَفِهِ، فإنها رسمت في مصاحق الشَّاميين بلامٍ واحدة.
١٠٧