وهو مُشْتَقٌ من السَّلامة، قالوا : لأنه يسلم به إلى المصعد والسُّلَّم مُذَكَّرٍ، وحكى الفرَّاء تأنيثه.
قال بعضهم : ليس ذلك بالوَضْعِ، بل لأنه بمعنى المَرْقَاة، كما أنَّث بعضهم الصوت في قوله :[البسيط] ٢١٥٥ -......................
سَائِلْ بَنِي أسَدٍ مَا هَذِهِ الصًّوْتُ
لمَّا كان في معنى الصَّرْخة.
فصل في نزول الآية روى ابن عباس أن الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مَنَافٍ أتى رسول الله ﷺ في مَحْضَرٍ من قريش، فقالوا : يا محمد أئْتَنَا بآية من عند الله، كما كانت الآنبياء تفعل فإنا نصدق بك، فأبى أن يأتيهم بآية من عند الله، كما كانت الأنبياء تفعل فإنا نصدق بك، فأبى الله أن يأتيهم بآية، فأعرضوا عن رسول الله ﷺ فَشَقَّ ذلك عليه، فنزلت هذه الآ ية.
والمعنى : وإن عَظُمَ عليك إعْرَاضُهُمْ عن الإيمان وشَقَّ ذلك عليك.
وكان - عليه الصَّلاة والسَّلام - يَحْرصُ على إيمان قومه أشَدَّ الحرص وكانوا إذا سألوا ىيَةً أحَبَّ أن يريهم اللَّهُ ذلك طَمَعاً في إيمانهم، فقال الله عزَّ وجلَّ :" فإن استطعت أن تبتغي " أي : تطلب وتتَّخِذَ نَفَقاً - سَرَباً - في الأرض فتذهب فيه، أو سُلَّماً دَرَجاً ومِصْعَداً في السماء فَتَصْعَدَ فيه فتأتيهم بآية فافعل، ولو شاء الله لَجَمَعَهُمْ على الهُدَى فآمنوا كلهم، وهذا يَدُلُّ على أنه - تعالى - لا يريد الإيمان من الكافر، بل يريد إبقاءه على الكُفْرِ، وتقريره : أن قُدْرَةَ الكافر على الكُفْرِ إمَّا أن تكون صَالِحَةً للإيمان، أو غير صاحلة له، فإن لم تكن صَالِحَةً له، فإن لم تكن صَالِحَةً له فالقُدْرةُ على الكُفْرِ مُسْتَلْزِمةٌ للكفر وغير صالحة للإيمان، وخالق هذه القُدْرَةِ يكون قد أرادَ الكُفْرِ منه لا مَحَالَة، وأما إن كانت هذه القُدْرةُ كما أنها صاحلةٌ للكُفْرِ، فهي أيضاً صالحة للإيمان، فيكون نسبة القُدْرة إلى الطَّرفين مستويةً، فيمتنع رُجْحَانُ أحد
١١٩
الطَّرَفَيْنِ على الآخر إلاّ لِدَاعِيةٍ مرجّحة، وحصول تلك الدَّاعية ليس من العبد، وإلاّ لزم التَّسَلْسُلُ، فثبت أن خالق تلك الدَّاعيةِ هو الله تعالى، وثبت أن مَجْمُوعَ القدرة مع الداية الخالصة ويجب الفِعْلَ، فثبت أن خالقَ مجموع تلك القدرة مع تلك الداعية المستلزمة لذلك الكفر مريد لذلك الكفر وغير مُريدٍ لذلك الإيمان.
قوله :﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ نهي له عن هذه الحالة وهو قوله :﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ فإنَّ من يكفر لسابق علم الله فيه، وهذا النَّهْيُ لا يقتضي إقدامه على مثل هذه الحالة كقوله :﴿وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب : ١] لا يَدُلُّ على أنه - عليه الصلاة والسلام - أطاعهم وقَبِلَ دِينَهُمْ، والمقصود أنه لا ينبغي أن يشتد تَحَسُّرُكَ على تكذيبتهم، ولا تَجْزَع من إعراضهم عنك، إنَّك لو فعلت ذلك قرب حالك من حال الجاهل، والمقصُودُ تبعيده عن مثل هذه الحالة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٧
أعلم أنَّه ب‍َيَّنَ السَّبَبَ في كونهم بحيث لا يقبلون الإيمان، ولا يتركون الكفر فقال :" إنما يستجيب الذين يسمعون "، يعني : أن الذين تحرص على أن يُصَدِّقُوكَ بمنزلة المَوْتَى الذين لا يسمعون، وإنّما يستجيب من يَسْمَعُ كقوله :﴿إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ [النمل : ٨٠].
وقال عَلِيُّ بن عيسى : الفَرْقُ بين " يستجيب " و " يجيب " أن " يستجيب " فيه قَبُولٌ لما دُعِيَ إليه، وليس كذلك " يجيب " ؛ لأنه قد يجيب بالمخالفة كقول القائل : أتُوَافِقُ في هذا المذهب أم تخالف ؟ فيقول المجيب : أخالف.
قوله :﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أظهرها : أنها جملة من مبتدأ وخبر سِيقَتْ للإخبار بقُدْرتِهِ، وأنَّ من قدرَ على بَغْثِ الموتى يقدر على إحياء قلوب الكَفَرةِ بالإيمان، فلا تَتَأسَّفْ على من كفر.
والثاني : أن المَوْتى مَنْصُوبٌ بفعلٍ مُضْمَر يُفَسِّرُهُ الظَّاهر بعده، ورجح هذا الوحه على الرَّفع بالابتداء لطعف جملة الاشتغال على جملة فعلية قبلها، فهو نظير :﴿وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ [الإنسان : ٣١] بعد قوله :﴿يُدْخِلُ﴾ [الإنسان : ٣١].
والثالث : أنَّهُ مرفوع على الموصول قبله، والمراد بـ " الموتى " الكفَّار أي : إما يستجيب المؤمنون السَّامِعُون من أوَّل وَهْلَةٍ، والكافرون الذين يجيبهم الله - تعالى - بالإيمان ويوفقهم له، فالكافرون يبعثهم الله ثم إليه يرجعون، وحينئذٍ يسمعون، وأمّا قبل ذلك فلا يسمعون ألْبَتَّةَ، وعلى هذا فتكون الجملة من قوله :﴿يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ
١٢٠


الصفحة التالية
Icon