وذكر الواحدي أن الشَّافعي جلس ف يالمسجد الحرام فقال : لا تسألوني عن شَيْءٍ إلاّ أجبتكم فيه من كتاب الله، فقال رجل : ما تقول في المُحْرِمِ إذا قتل الزَّنْبُورَ ؟، فقال : لا شَيْءَ عليه، فقال : أين هذا في كتاب الله ؟، فقال : قال الله تعالى :﴿وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر : ٧]، ثم ذكر سَنَداً إلى رسول الله ﷺ أنه قال :" عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلفَاءِ الرَّاشدينَ مِنْ بَعْدِي " ثم ذكر إسْنَاداً إلى عُمَرَ أنه قال :" لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ الزَّنْبُورِ ".
قال الواحديُّ : فأجابه من كتاب الله مُسْتنبطاً بثلاث درجات، وقول النبي ﷺ في حديث العسيفِ :" والَّذي نَفْسِي بِيدِهِ لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ " ثم قضى بالجَلْدِ والتَّغْرِيبِ على العسيفِ، وبالرجم على المَرْأةِ إذا اعترافت.
قال الواحدي : وليس لِلْجَلْدِ والتَّغْريبِ ذكرٌ في نَصِّ الكتاب، وهذا يَدُلُّ على
١٢٧
أن ما جاءكم به النبي ﷺ فهو عَيْنُ كتاب الله.
قال تعالى :﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل : ٤٤]، وعند هذا يَصِحُّ قوله تعالى :﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْء﴾ والله أعلم.
وقال بعضهم : إن هذا عامُّ أُرِيدَ به الخُصوصُ، والمعنى ما فرَّطنا في الكتاب من شيءٍ يحتاج إليه المُكَلَّفُونَ.
١٢٨
قوله :" من شيءٍ " فيه ثلاثةُ أوجه : أحدهما : أن " مِنْ " زائدة في المفعول به، والتقدير : ما فرَّطْنا شَيْئاً، وتضمن " فرطنا " معنى تركنا وأغفَلْنَا، والمعنى ما أغفلنا، ولا تركنا شيئاً.
والثاني : أن " مِنْ " تَبْعيضيَّةٌ، أي : ما تركنا ولا أغْفَلْنَا في الكتاب بعض شيء يحتاج إليه المُكَلِّفُ.
الثالث : أن " من شيء " في مَحَلِّ نصب على المصدرِ، و " من " زائدة فيه أيضاً.
ولم يُجزْ أبو البقاء غيره، فإنه قال :" من " زائدة، و " شيء " هنا واقع موقع المصدرِ، أي تفريطاً.
وعلى هذا التَّأويل لا يبقى في الآيو حُجَّةٌ لمن ظنَّ أن الكتاب يحتوي على ذِكْرِ كل شيء صَريحاً، ونظير ذلك :﴿لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾ [آل عمران : ١٢٠].
ولا يجوز أن يكون بـ " في "، فلا يتعدَّى بحرف آخر، ولا يَصِحُّ أن يكون المعنى : ما تركنا في الكتاب من شيء ؛ لأن المَعْنَى على خلافه، فبان أن التأويل ما ذكرنا.
انتهى.
قوله :" يحتوي على ذِكْرِ كل شيء صريحاً " لم يقل به أحدٌ ؛ لأنه مُكَابرةٌ في الضروريات.
وقرأ الأعرج وعلقمة :" فَرَطْنَا " مُخَفَّفاً، فقيل : هما بِمَعْنَى وعن النقاش : فَرَطنا : أخَّرْنا، كما قالوا :" فرط الله عنك المرض " أي : أزاله.
قوله :﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون﴾ : قال ابن عبَّاسٍ، والضحاك : حشرها موتها.
وقال أبو هريرة : يحشر الله الخَلْقَ كلهم يوم القيامةِ الإنس والجن والبهائم والدَّوَابَّ والطير وكُلَّ شيء، فيأخذ للجمَّاءِ من القَرْنَاءِ، ثم يقول كوني تُراباً، فحينئذٍ يَتَمَنَّى الكافر ويقول :﴿يا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابا﴾ [النبأ : ٤٠]، ويتأكد هذا بقوله :﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ [التكوير : ٥].
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٢٢
قوله :﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ مبتدأ، وما بعده الخبر.
١٢٩