قال شهاب الدين : قوله :" بمُضارع " كان يبغي أن يقُول :" مثبت " ؛ لأنه متى كان مَنْفِيَّا بـ " لم " كَثُرَ وصْلُهَا به، نحو قوله :[الطويل] ٢١٦٨ - وَلَن يَلْبَثَ الْجُهَّالُ أنْ [يَتَهَضَّمُوا]
أخَا الحِلْمِ مَا لِمْ يِسْتَعِنْ بِجَهُولِ
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٣٣
ومِنْ وَصْلِهَا بمضارعٍ مثبتِ قوله :[الوافر] ٢١٦٩ - أطوِّفُ مَا أطَوِّفُ ثُمَّ آوِى
إلَى أمَّى وَيَرْوينِي النَّقِيعُ
وقول الآخر :[الوافر] ٢١٧٠ - أطَوِّفُ ما أطَوِّفُ ثُمَّ آوِي
إلَى بِيتٍ قَعِيدَتُهُ لكَاعٍ
فـ " أطَوِّفُ " صِلَةٌ لـ " ما " الظرفقية.
الثالث : أنها نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ ذكره أبو البقاء، والعِائِدٌ أيضاً مَحْذُوفُ أي : فيكشفُ شَيْئاً تَدْعُونه، أي : تَدْعُونَ كشْفَهُ والحَذْفُ من الصِّفَةِ أقَلُّ منه من الصلة.
الرابع : أنها مَصْدَرِيةٌ، قال ابن عطيَّة :" ويَصِحَّ أن تكون مَصْدَرِيَّةً على حذفٍ في الكلام ".
قال الزجَّاج : وهو مثْل " ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَة﴾ [يوسف : ٨٢].
قال شهاب الدين : فيكشف سبب دعائكم وموجبه.
قال أبو حيَّان : وهذه دَعْوَى محذوف غير مُعَيّن، وهو خلافُ الظاهر.
وقال أبو البقاء :" وليست مَصْدَرَيَّةً إلاَّ أن تَجْعَلَهَا مصدراً بمعنى المفعول " يعني
١٤٤
يصير تقديره : فيكشف مَدْعُوَّكُمْ، أي : الذي تَدْعُون لأجله، وهو الضُّرُّ ونحوه.
قوله :" إليه " فيما يتلَّق به وجهان : أحدهما : أن تيعلَّق بـ " تَدْعون "، والضَّمير حينئذٍ يعود على " ماط الموصولة، أي : الذي تَدْعُون إلى كَشْفِهِ، و " دعا " بالنسبة إلى متعلّق الدعاء يتعدَّى بـ " إلى " أو " اللام ".
قال تعالى :﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ﴾ [فصلت : ٣٣] ﴿وَإِذَا دُعُوا ااْ إِلَى اللَّهِ﴾ [النور : ٤٨].
وقال :[الطويل] ٢١٧١ - وإنْ أُدْعَ لِلْجُلَّى أكُنْ مِنْ حُمَاتِهَا
...........................
وقال :[البسيط] ٢١٧٢ - وَإنْ [دَعَوْت] إلى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ
يَوْماً سَرَاةِ كِرَامِ النَّاسِ فَادْعِينَا
وقال :[المتقارب] ٢١٧٣ - دَعَوْتُ لِمَا نَابِنِي مِسْوَراً
فَلَبَّى فَلَبَّىْ يَدَيء مِسْوَرِ
والثاني : أن يتعلَّق بـ " يكشفُ ".
قال أبو البقاء :" أي : يرفعه إليه " انتهى.
والضميرُ على هذا عائدٌ على الله تعالى، وذكر أبو البقاء وَجْهَيِ التعلق ولم يَتَعَرَّضْ للضمير، [وقدْ عَرَفْتَهُ].
وقال ابن عطية : والضمير في " إليه " يَحْتَمِلُ أن يعُود إلى الله، بتقدير : فيكشف ما تدعون فيه إليه.
قال أبو حيَّان : وهذا ليس بِجَيدٍ ؛ لأنَّ " دعا " يتعدَّى لمفعول به دون حَرْفِ جرِّ :
١٤٥
﴿ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر : ٦٠]، ﴿إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة : ١٨٦] ومن كلام العرب :" دَعَوْتُ الله سِمَعاً ".
قلت : ومِثْلُهُ :﴿قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـانَ أَيّاً مَّا تَدْعُوا﴾ [الإسراء : ١١٠] ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعا﴾ [الأعراف : ٥٥] قال :" ولا تقولُ بهذا المعنى :" دعوت إلى اللهط بمعنى : دعوت الله، إلاَّ أنه يمكن أن يُصَحَّحَ كلامُهُ بمعنى التَّضْمِينِ، ضَمَّنَ " تدعون " معنى " تلجؤون فيه إلى الله " إلاَّ أنَّ التضمين ليس بقيسا، لا يُصَارُ إليه إلاَّ عند الضَّرُورَةِ، ولا ضرورةَ تدعو إليه هنا ".
قال شهاب الدين : ليس التضمين مَقْصُوراً على الضرورة، وهو في القرآن أكثر من أن يُحْصَرَ، وقد تقدَّم منه جملة صَالِحَةٌ، وسيأتِي إن شاء الله - تعالى - مثلُهَا على أن قد يُقَال : تجويزُ أبي مُحَمَّدٍ عَوْدَ الضمير إلى الله - تعالى - مَحْمُولٌ على أن " إليه " مُتَعَلِّقٌ بـ " يكشف "، كما تقدَّم نَقْلُهُ عن أبي البقاءِ، وأن معنلا ااه يرفعه إليه، فلا يلزم المحذور المذكور، لولا أنه يُعَكِّرُ عليه تقديرُهُ بقوله :" تدعون فيه إليه "، فتقديره :" فيه " ظاهرة أنه يَزْعُمُ تعَلُّقَهُ بـ " تَدْعُون ".
قوله :" إنْ شَاءَ " جوابه مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ المعنى، ودلالة ما قبله عليه، أي : إنْ شَاءِ أن يَكْشِفَ كَشَفَ، وادِّعاءُ تقديم جوابِ الشرط هنا واضِحٌ لاقترانه بـ " الفاء " فهو أحْسَنُ من قولهم :" أنت ظالم إن فعلتط لكن يمنع من كونها جواباً هنا أنها سِبَبِيَّةٌ مرتبة، أي : أنها أفادت تَرتُّبَ الكَشْفِ عن الدعاء، وأن الدُّعَاءَ سَبَبٌ فيه، على أن لنا خِلاَفاً في " فاء " الجزاء : هل تفيد السَّبَبِيَّةَ أو لا ؟ قوله :﴿وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُون﴾ الظاهر في " ما " أن تكون مَوْصُولَةَ اسمية، والمُرَادُ بها ما عُبِدَ مِنْ دون اللَّهِ مُطْلَقاً : العُقَلاَء وغيرهم، إلاّ أنه غَلَّبَ غيرا لعقلاء عليهم كقوله :﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [النحل : ٤٩] والعائد محذوف، أي : ما تُشْرِكُونَهُ مع الله في العِبَادَةِ.
١٤٦