والثاني : أنه ضير المخاطبين أي : لتقضوا آجالكم.
وقرأ أبو رجاءٍ، وطلحة :" ليَقْضِي " مَبْنياً للفاعل، وهو الله تعالى، و " أجَلاً " مفعول به، و " مُسَمى " صفة، فهو مرفوع على الأوَّل، ومنصوب على الثاني وتيرتَّبُ على ذلك خلافٌ للقُرَّاءِ في إمالَةِ ألفِهِ، و " اللام " في " ليقضي " متعلّقة بما قبلها من مجموع الفِعْلَيْن، أي : يتوفاكم ثُمَّ يبعثكم لأجْلِ ذلك.
والمرادُ : الأجَلُ المسمَّى، أي : عمركم المكتوب.
والمعنى : يبعثكم من نومكم إلى أن تَبْلُغُوا آجَالَكُمْ.
واعلم أنه - تعالى - لمَّا ذكر أنَّهُ يُنيمُهمْ أولاً، ثم يوقظهم ثانياً كان ذلك جَارياً مُجْرَى الإحْيَاءِ بعد الإمَاتَةِ، فلذلك اسْتَدلَّ به على صِحَّةِ البَعْثِ والقِيَامَةِ، فقال :﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزمر : ٧] في ليلكم ونهاركم في جميع أحوالكم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٩١
قد تقدَّم الكلامُ على هذه الآية أوَّل السورة.
قوله :﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَة﴾ : فيه خمسة أوجه : أحدها : أنه عَطْفٌ على اسم الفاعل الواقع صِلَةً لـ " أل " ؛ لأنه في معنى يَفْعَل، والتقدي : وهو الذي يقهر عبادَةُ ويرسل، فعطف الفعل على الاسم ؛ لأنه في تأويله، ومثله عند بعضهم :﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ﴾ [الحديد : ١٨] [قالوا] :" أقْرَضُوا " عطف على " مُصَّدِّقِين " الواقع صِلَةً لـ " أل " ؛ لأنه في معنى : إنَّ الذين صَدَّقُوا وأقْرَضُوا، وهذا ليس بشيء ؛ لأنه يلزم من ذلك الفَصْلُ بين أبْعَاضِ الصِّلةِ بأجنبي، وذلك أن " وأقْرَضُوا " من تمام صِلَةِ " أل " في " المُصَّدِّقين "، وقد عطف على الموصُولِ قوله " المُصَّدِّقات " وهو أجنبي، وقد تقرَّر غير مرَّةِ أنه لا يتبغ الموصول إلاَّ بعد تمام صلته.
وأمَّا قوله تعالى ﴿فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾ [الملك : ١٩] فـ " يَقْبِضْنَ " في تأويل اسم، أي : وقابضات.
ومن عطف الاسمعلى الفعل لكونه في تأويل الاسم قوله تعالى :﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ [الأنعام : ٩٥].
وقوله :[الطويل]
١٩٣
٢١٨٩ - فَألْفَيْتُهُ يَوْماً [يُبِيرُ] عَدُوَّهُ
[ومُجْرٍ] عَطَاءً يِسْتَخِفُّ المعَابِرَا
والثاني : أنها جملة فعلية على جملة اسمية وهي قوله :" وهُوَ القَاهِرُ ".
والثالث : أنها مَعْطُوفَةٌ على الصِّلَةِ، وما عطف عليها، وهو قوله :" يَتَوَفَّاكُمْ " و " يَعْلَم " وما بعده، أي : وهو الذي يتوفاكم ويرسل.
الرابع : أنَّهُ خبر مبتدأ محذوف، والجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ، وفي صاحبها وجهان : أظهرهما : أنه الضمير المُسْتَكِنُّ في " القَاهِرِ ".
والثاني : أنها حالٌ من الضمير المُسْتَكِنَّ في الظرف، هكذا قال أبو البقاء، ونقله عنه أبُو حيَّان قال :" وهذا الوجهُ أضعفُ الأعاريبِ ".
وقولهما :" الضمير الذي في الظرف " ليس هنا ظَرْفٌ يُتَوَهَّمُ كون هذه الحال من ضير فيه، إلاَّ قوله :" فَوْقَ عِبَادِهِ "، ولكن بأيِّ طريق يتحمَّلُ هذا الظرف ضميراً ؟ والجوابُ : أنه قد تقدَّم في الآية المشبهة لهذه أن " فَوْقَ عِبَادِهِ " فيه خمسة أوجه : ثلاثة منها تتحمَّلُ فيها ضَمِيراً، وهي : كونه خبراً ثانياً، أو بَدَلاً من الخبرِ، أو حالاً، وإنما اضْطررْنَا إلى تقدير مبتدأ قَبْلَ " يُرْسِلُ " ؛ لأن المضارع المثبت إذا وقع حالاً لم يقترن بالواو كما تقدَّم إيضاحه.
والخامس : أنها مُسْتَأنَفَةٌ سيقت للإخبار بذلك، وهذا الوجه هو في المعنى كالثاني.
قوله :" عليكم " يحتملُ ثلاثة أوجه : أظهرها : أنه متعلّق بـ " يرسل " ومنه ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ﴾ [الرحمن : ٣٥] ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ﴾ [الأعراف : ١٣٣] ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرا﴾ [الفيل : ٣] إلى غير ذلك.
والثاني : أنه متعلّق بـ " حَفَظَة "، يقال : حفظت عليه عمله، فالتقدير : ويرسل حَفَظَةً عليْكُمْ.
قال أبو حيَّان : أي : يحفظون عليكم أعمالكم، كما قال :﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾ [الانفطار : ١٠] كما تقول : حفظت عليك ما تعمل فقوله كما قال تشبيه من حيث المعنى، لا أن " عَلَيْكُمْ " تعلَّقَ بـ " حافظين " ؛ لأن " عَلَيْكُمْ " هو الخبر لـ " أنَّ "، فيتعلق بمحذوف.
١٩٤