وفهم، فأما من أعْرَضَ وتمرَّدَ فهو تعالى ما صرَّف هذه الآيات لهم.
قوله تعالى :﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ قوله :" وكذَّبَ بِهِ " " الهاء " في " ربه " تعود على العذاب المُتقدِّمِ في قوله :" عذاباً مِنْ فَوقِكُمْ " قال الزمخشري.
وقيل : تعود على القُرْآنِ.
وقيل : تعود على الوعيد المتضمن في هذه الآيات المتقدمة.
وقيل : على النبي ﷺ وهذا بعيد ؛ لأنه خُوطبَ بالكاف عقِيبَهُ، فلو كان كذلك لقال : وكذب به قومك، وادَّعاءُ الالتفات فيه أبْعَدُ.
وقيل : لا بد من حَذْفِ صِفَةٍ هنا، أي : وكذب به قومك المُعَانِدُونَ، أو الكافرون ؛ لأن قومه كلهم لم يُكَذِّبُوهُ، كقوله :﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود : ٤٦] أي الناجين، وحذف الصفة وبقاء الموصوف قليل جداً، بخلاف العكس.
وقرأ ابن أبي عبلة :" وكذَّبت " بتاء التأنيث، كقوله تعالى :﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ [الشعراء : ١٠٥]، ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ﴾ [الشعراء : ١٦٠] باعتبار الجماعة.
قوله :" وهُوَ الحقُّ " في هذه الجملة وجهان : الظاهر منهما : أنها استتئناف.
والثاني : أنها حالٌ من " الهاء " في " به "، أي : كذبوا به في حالِ كونه حقَّا، وهو أعظم في القبح.
والمعنى أن الضمير في " به " للعذاب، فمعنى كونه حقَّا لا بد أن ينزل بهم، وإن عاد إلى القرآن، فمعنى كونه حقّا، أي : كتاب منزل من عند الله، وإن عاد إلى تصريف الآيات أي : أنهم كذَّبوا كون هذه الأشياءِ دلالاتٍ، وهو حق.
قوله :" عَلَيْكُمْ " مُتعلِّقٌ بما بعده، وهو توكيد، وقدم لأجل الفواصِلِ، ويجوز أن يكون حالاً من قوله :" بِوَكِيلٍ " ؛ لأنه لو تَأخَّرَ لجاز أن يكون صفة له، وهذا عند من يُجِيزُ تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف، وهو اختيار جماعةٍ، وأنشدوا عليه :[الخفيف] ٢١٩٣ - غَافِلاً تَعْرضُ المَنِيَّةُ لِلْمَرْءِ
فَيُدْعَى وَلاتَ حينَ إبَاءُ
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠١
٢٠٥
فقدم " غافلاً " على صاحبها، وهو " المرء "، وعلى عامها وهو " تَعْرُضُ " فهذا أوْلَى.
ومنه [الطويل] ٢١٩٤ - لَئِنْ كَانَ بَرْدُ المَاءِ هَيْمَانَ صَادِياً
إليَّ حَبِيباً إنَّهَا لَحَبِيب
أي : إليَّ هيمان صادِياً، ومثله :[الطويل] ٢١٩٥ - فَإن يَكُ أذْوَادٌ أصِبْنَ ونِسْوَةٌ
فَلَنْ يَذْهَبُوا فَرْغاً بِقَتْلِ حِبَالِ
" فَرْغاً " حال من " يقتل "، و " حبال " بالمهملة اسم رَجُلٍ مع أن حرف الجر هنا زائد، فجوازه أوْلَى مما ذكرناه.
فصل في المراد بالآية معنى الآية : قل لهم يا محمد : وقيل : بمُسَلّط ألزمكم الإيمان شئتم أو أبيتم، وأجازيكُمْ على تَكْذِيبكُمْ، وإعراضكم عن قَبُولِ الدلائل، إنما أنا رسول ومُنْذِرٌ، والله المُجَازِي لكم بأعمالكم.
قال ابن عبَّاس والمفسرون : نسختها آية القتال، وهو بعيد.
قوله :﴿لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ﴾ [الأنعام : ٦٧] يجوز رفع " نبأ " بالابتدائية، وخبره الجَارُّ قَبلهُ، وبالفاعلية عند الأخفش بالجار قبله، ويجوز أن يكون " مسقر " اسم مصدر أي : استقرار [مكان، أو زمان ؛ ] لأن ما زاد على الثُّلاثيَّ كان المصدر منه على زنةِ اسم المفعول ؛ نحو :" المدخل " و " المخرج " بمعنى " الإدخال " و " الإخراج "، والمعنى أن لك وعْد ووعيد من الله استقرار، ولا بد وأن يعلموا [أن الأمر كما أخبر الله تعالى] ويجوز أن يكون مكان الاستقرار أو زمانه [وأن] لكل خبر يخبره الله وقتاً أو مكاناً يحصل فيه من غير خُلْفٍ ولا تأخير، وهذا الذي خَوَّفَ الكفار به يجوز أن يكون المُرَادُ به عذابَ الآخرة، ويجوز أن يكون المراد منه الاستيلاء عليهم بالحَرْبِ والقَتْلِ في الدُّنيا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠١
قال تعالى في الآية الأولى ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الأنعام : ٦٦] فتبيَّنَ به أنه لا يجب على الرّسُول ملازمة المكذَّبين بهذا الدَّين.
٢٠٦