أوجه ؛ كونه خبراً، وأو بدلاً، أو نعتاً فجاءت مع ما قبلها ستة أوجه ستة أوجه في هذه الآية، و " شراب " يجوز رَفْعُهُ من وجهين ؛ الابتدائية والفاعلية عند الأخفش، وعند سيبويه أيضاً على أن يكون " لهم " هو خبر المبتدأ أو حالاً، حيث جعلناه حالاً، و " شراب " مُرتفعٌ به لاعتماده على ما تقدَّم، و " ن حميم " صفة لـ " شراب " فهو في مَحَلِّ رفع، ويتعلق بمحذوف.
و " شراب " فعال بمعنى مفعول كـ " طعام " بمعنى " مطعوم "، و " شراب " بمعنى " مشروب " لا يَنْقَاسُ ولا يقال :" أكال " بمعنى " مأكول " ولا " ضراب " بمعنى " مضروب ".
والإشارة بذلك إلى الَّذين اتخذوا في قول الزمخشري والحوفي، فلذلك أتى بصيغة الجمع، وفي قول ابن عطية وأبي البقاء إلى الجنْسِ المفهوم من قوله " أن تُبْسَلَ نَفْسٌ " إذ المرادُ به عُمومُ الانْفُسِ، فلذلك أشير إليه بالجمع، ومعنى الآية : أولئك الذين أبسلوا أسلمُوا للهلاكِ بما كسبوا " لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢١١
المقصود : من هذه الآية الرَّدُّ على عبدةِ الأصنام، وهي مؤكدة لقوله تعالى قبل ذلك :﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [الأنعام : ٥٦].
فقوله :" أنَدْعُوا من دون الله " أي : أنعبد من دون الله النَّافِعِ الضَّارِّ ما لا يَقْدرُ لعى نَفْعِنَا إن عبدناهُ، ولا على ضرنا إن تركناه.
قوله :" أنّدْعُوا " استفهام توبيخ وإنكارن والجملة في مَحَلِّ نصب بالقول، و " ما " مفعولة بـ " ندعوا "، وهي موصولة أو نكرة موصوفة، و " مِنْ دون الله " متعلِّقٌ بـ " ندعوا ".
قال أبو البقاء :" ولا يجوز أن يكون حالاً من الضمير في " يَنْفَعُنَا " ولا معمولاً لـ " يَنْفَعُنَا " لتقدُّمهِ على " ما "، والصلة والصفة لا تَعْملُ فيما قبل الموصول والموصوف.
قوله :" من الضمير في يَنْفعنَا " يعني به المرفوع العائد على " ما " وقوله :" لا تعمل فيما قبل الموصول والموصوف " يعني : أن " ما " لا تخرج عن هذين القسمين ولكن يجوز أن يكون " من دون " حالاً من " ما " نفسها على قوله ؛ إذ لم يجعل المانع من جعله حالاً من ضميره الذي في " يَنْفَعُنَا " إلاَّ صِناعِياً لا معنوياً، ولا فرق بين الظاهر وضميره بمعنى
٢١٦
أنه إذا جازَ أن يكون حالاً من ظاهره، جاز أن يكون حالاً من ضميره، إلا أن يمنع مَانِعٌ.
قوله :" ونُرَدُّ " فيه وجهان : أظهرهما : أنه نَسَقٌ على " نَدْعُوا " فهو داخل في حيِّز الاستفهام المُتَسَلِّطِ عليه القَوْلُ.
الثاني : أنه حالٌ على إضمار مبتدأ ؛ أي : ونحن نُرَدُّ.
قال أبو حيَّان بعد نقله هنا عن أبي البقاء :" وهوضعيف لأضمار المبتدأ، ولأنها تكون حالاً مؤكّدة "، وفي كونها مؤكدة نظرٌ ؛ لأن المؤكدة ما فهم معناها من الأوَّلِ، وكأنه يقول : من لازم الدعاء " من دون الله " الارتداد على العقب.
قوله :" عَلى أعْقَابِنَا " فيه وجهان : أحدهما : أنه معلّق بـ " نُرَدُّ ".
والثاني : أنه متعلِّق بمحذوف على أنه حال من مرفوع " نرد " أي : نرد راجعين على أعْقابنا، أو منقلبين، أو متأخرين كذا قدَّرُوهُ، وهو تفسير معنى ؛ إذا المُقَدَّرُ في مثله كونٌ مُطلقٌ، وهذا يحتمل أن يقال فيه : إنه حال مؤكدة، و " بعد إذ " مُتعلِّقٌ بـ " نُرَدُّ ".
[ومعنى الآية : ونرد على أعقابنا إلى الشِّرْكِ مرتدين بعد إذ هدانا الله إلى الإسلام.
يقال لكل من أعْرَضَ عن الحق إلى الباطل : إنه رجع إلى خَلْفٍ، ورجع على عَقِبَيْهِ، ورجع القَهْقَرى ؛ لأن الأصل في الإنسان الجَهْلُ ثم يترقى ويتعلم حتى يتكاملن ويحصل له العلم.
قال تعالى :﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ﴾ [النحل : ٧٨] فإذا رجع من العِلْمِ إلى الجَهْلِ مرة أخرى، فكأنه رجع إلى أوَّل أمره، فلهذا السبب يقال : فلان رُدَّ على عقبيه].
قوله " كالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ " في هذه الكاف وجهان : أحدهما : أنه نَعْتُ مصدرٍ محذوف ؛ أي : نُرَدُّ رَدَّاً مثل ردِّ الذين.
الثاني : في مَحَلّ نصب على الحال من مرفوع " نرد "، أي : نرد مُشْبهينَ الذي استهوته الشياطين، فمن جوَّز تعدُّدّ الحالِ جعلها حالاً ثانية، إن جعل " على أعقابنا " حالاً، ومن لم يُجَوِّزْ ذلك جعل هذه الحال بدلاً من الحال الأولى، أو لم يجعل على أعقابنا حالاً، بل معلّقاً بـ " نرد ".
الجمهور على " اسْتهْوتْهُ " بتاء التأنيث، وحمزة " اسْتَهْوَاهُ " وهو على قاعدته من الإمالة، والوجهان معروفان مما تقدم في ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ [الأنعام : ٦١] وقرأ أبو عبد الرحمن والأعمش :" اسْتَهْوَتْهُ الشَّيْطانُ " بتأنيث الفعل، والشيطان مفرداً.
٢١٧