عطف ؛ لأن واو الحال [هي] واو العطف استُعِيرَتُ للوصل، فقولك :" جاء زَيدٌ راجلاً أو هو فارس " كلامٌ فصيح وارد على حدِّه، وأمَّا " جاءني زَيْدٌ هو فارس " فخبيث.
قال أبو حيَّان : أما [بعضُ النَّحويين الذي أبهمه] الزمخشريُّ فهو الفرَّاءُ، وأما قول الزَّجَّاج : كلا التمثيلين لم يحتج فيه إلى الواو ؛ لأن الذِّكر قد عاد على الأوَّلِ ففيه إبْهَامٌ وتعيينه أنَّهُ يمتنعُ دخولها في المثالِ الأوَّلِ [ويجوز في المثال] الثاني ؛ فليس انتفاءُ الاحتياج على حدِّ سواء ؛ لأنه في الأوِّل لامتناع الدُّخُولِ، وفي الثاني لكثرتِهِ لا لامتناعه.
قال شهابُ الدِّين : أمَّ امتناعُهَا في المثالِ الأوَّلِ ؛ فلأن النَّحْويين نَصُّوا على أنَّ الجلمة الحاليَّة إذا دَخَلَ عليها حرفُ عطفٍ امتنع دخولُ واوِ الحالِ عليها، والعلَّةُ فيه المشَابَهَةُ اللَّفظيَّةُ ؛ ولأن واو الحال في الأصل عاطفةٌ، ثم قال أبُو حيَّان.
وأمَّا قولُ الزمخشري فالصَّحيحُ إلى آخره، فتعليلُهُ ليس بصَحِيحٍ ؛ لأنَّ واوَ الحال ليست بحرف عَطْفِ فيلزم من ذكرها اجتماعُ حَرْلإَي عَطْفٍ ؛ لأنَّها لو كانت حرف عطفٍ للزم أن يكونَ ما قَبْلَهَا حالاً، حتى يعطف حالاً على حالٍ، فمجيئها فيما لا يمكن أن يكُونَ حالاً دليل على أنَّهَا ليست واو عطْفٍ، ولا لُحظ فيها معنى واوِ عَطْفٍ تقُولُ :" جاء زيدٌ، والشمسُ طالِعَةٌ " فجاءَ زَيْدٌ ليس بحالٍ فيعطف عليها جُمْلَة حالٍ، وإنَّمَا هذه الواوُ مغايرة لواو العَطْفِ بكل حالٍ، وهي قسمٌ من أقسام الواو كما تأتي للقسم، وليستْ فيه للعَطْفِ كما إذا قلت :" واللَّه لَيَخْرُجَنَّ ".
قال شهابُ الدِّين : أبُو القَاسِم لم يدَّع في واو الحال أنَّها عاطفة، بل يدَّعِي أنَّ أصلها العَطْفَ، ويدلُّ على ذلك قوله : استُعِيرَتْ للوصول، فلو كانت عَاطِفَةً على حالِهَا لما قَالَ : اسْتَعِيرَتْ فَدَلَّ قوله ذلك على أنَّها خجرت عن العطف، واسْتُعْمِلَتْ لمعنى آخر لكنها أعطيت حكم أصلها في امْتِنَاعِ مجامَعَتِهَا لعاطفٍ آخر.
وأمَّا تسمِيَتُهَا حرف عطف، فباعْتِبَارِ أصْلِهَا ونَظِيرُ ذلك أيضاً واو " مع " فإنَّهم نَصُّوا على أنَّ أصلها واوُ عَطْفٍ، ثمَّ استعملتْ في المعيَّةِ، فكذلك واوُ الحَالِن لامتناعِ أن يكُونَ أصْلُهَا واوَ العطف.
ثم قال أبُو حيَّان :" وأمّا قوله " فَخَبِيثٌ " فليس بِخَبِيثٍ ؛ وذلك أنَّهُ بَنَاهُ على أنَّ الجلمة الحالِيَّة إذا كانت اسميَّةً، وفيها ضميرُ ذي الحَالِ فحذفُ الواوِ منها [شاذٌ] وتبع في ذلك الفرَّاء، وليس بِشَاذٍّ بل هو كثيرٌ في النَّظْمِ والنَّثْرِ.
قال شهابُ الدِّين : قد يبق أبا القاسم في تسمية هذه الواو حرف عَكْفٍ الفرَّاءُ، وأبُو بَكْرٍ بْنُ الأنْبَارِيِّ.
١٦