جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٧
ومنه قوله تعالى :﴿فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ﴾ [الأنبياء : ١٥] وقال الزَّمخشريُّ :[ويجوز] : فما كان استغاثتهم لا قولهم هذا ؛ لأنه لا يستغاثُ من اللَّهِ تعالى بغيره، من قولهم : دعواهم يا لكعب.
١٨
وقال ابنُ عطيَّة : وتحتملُ الآيةُ أن يكون المعنى : فما آلت دَعَاويهم التي كانت في حال كُفْرِهِمْ إلا إلىا الاعتراف ؛ كقول الشاعر :[الطويل] ٢٤٠٣ - وَقدْ شَهِدَتْ قَيْسٌ فَمَا كَانَ نَصْرُهَا
قَتَيْبَةَ إلاَّ عَذَّها بالأبَاهِمِ
و " إذ " منصوب بـ " دعواهم ".
وقوله :﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ " كُنَّا " وخبرها في محل رفع خبر لـ " إنَّ "، وَ " إنّ " وما في حيزها في محل نَصْبٍ محكياً بـ " قَالُوا "، و " قَالثوا " وما في حيزه لا محل له لوقوعه صلةً لـ " إنَّ "، و " أنّ " وما في حيزها في محلِّ رفع، أو نصب على حسب ما تقدَّم من كونها اسماً، أو خبراً.
ومعنى الآية : أنَّهُم لم يَقْدِرُوا على ردِّ العذاب، وكان حاصل أمرهم الاعتراف بالخيانَةِ حين لا ينفع الاعتراف.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٧
القائمُ مقامَ الفاعِلِ الجار والمجرور وفي كيفيَّة النظم وجهان : الأول : أنه تعالى لمَّا أمر الرَّسول أولاً بالتبليغ ثم أمر الأمة بالقَبُولِ، والمتابعة، وذكر التَّهْديد على ترك القبول والمتابعة، بذكر نُزُولِ العذابِ في الدُّنْيَا - أتبعه بنوع آخر من التَّهْديدِ وهو أنه تعالى يسأل الكل عن كيفية أعمالهم يوم القيامة.
الثاني : أنه تعالى لما قال :﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوا ااْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأعراف : ٥] أتبعه أنه لا يقتصر على الاعتراف منهم يوم القيامة، بل يَنْضَافُ إليه أنَّهُ تعالى يسأل الكُلَّ عن كيفيَّةِ أعمالهم، وبين أن هذا السؤال لا يختصُّ بأهل العقاب، بل هو عامٌّ بأهل العقابِ والثَّوابِ، ونظيره قوله تعالى :﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر : ٩٢، ٩٣].
فإن قيل : المقصود من السُّؤالِ أن يخبر المسئول عن كيفية أعمالهم، وقد أخبر عنهم أنهم يقرون بأنهم كانوا ظَالمينَ فما فَائِدَةُ السُّؤال بعده ؟ وأيضاً قال تعالى بعد هذه الآية :﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ﴾ [الأعراف : ٧] فإذا كان يقصُّه عليهم بعلم فما معنى هذا السؤال ؟ فالجواب : أنَّهُم لمَّا أقَرُّوا بأنهم كانُوا ظالمين مُقَصِّرين سألوا بعد ذلك عن سَبَبِ الظُّلْمِ، والتَّقْصِيرِ، والمقصود منه التَّقْريعُ والتَّوبيخُ.
١٩
فإن قيل ما الفائدة في السؤال الرُّسُلِ مع العلم بأنه لم يَصْدُر عنهم تقصير ألبتة ؟ فالجوابُ : لأنهم إذا اثبتوا أنه لم يَصْدُرْ عنهم تَقْصِيرٌ ألْبَتَّةَ التحق التَّقْصِيرُ كله بالأمَّةِ، فيتضاعفُ إكرامُ اللَّه تعالى للرُّسل لظهور براءتهم عن جميع موجبات التَّقْصِير، ويتضاعف الخِزْيُ والإهانَةُ في حقِّ الكفَّارِ، ولما ثبت أنَّ ذلك التَّقْصِيرُ كان منهم.
قوله تعالى :﴿فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين﴾ والمعنى : أنهبين للقوم ما أسروه، وما أعلنوه من أعمالهم، وبين الوجوه التي لأجلها أقدموا على تلك الأعمال.
وقوله :"بعلم" في موضع [الحال] من الفاعل، و "الباء" للمصاحبة أي : لنقصن على الرسل والمرسل إليهم حال كوننا متلبسين بالعلم.
ثم أكد هذا المعنى بقوله :﴿وما كنا غائبين﴾ أي : ما غاب عن عمله شيء من أعمالهم، وذلك يدل على أن الإله لا يكمل إلا إذا كان عالما بجميع الجزئيات حتى يمكنه أن يميز المطيع عن العاصيوالمحسن عن المسيء.
فإن قيل : كيف لا االجمع بين قوله ﴿فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين﴾ وبين قوله :﴿فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان﴾ [الرحمن : ٣٩] وقوله :﴿ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون﴾ [القصص : ٧٨] فالجواب من وجوه : أحدها : أن القوم لا يسألون عن الأعمال ؛ لأن الكتب مشتملةعليها ولكنهم يسألون عن الدواعي التي دعتهم إلى الأعمال، وعن الصوارف التي صرفتهم.
وثانيها : أن السؤال قد يكون لأجل الاسترشاد والاستفادة وقد يكون لأجل التوبيخ كقول القائل :" ألم أعطك" وقوله تعالى :﴿ألم أعهد إليكم يا بني ءادم﴾ [يس : ٦٠] وقول الشاعر :[الوافر] ٢٤٠٤ _ ألستم خير من ركب المطايا
......................................
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٩


الصفحة التالية
Icon