فعلى قول أبي بكر يكونُ قوله :" لأقْعدنَّ " جواب قسم محذوف، وذلك القسَمُ المقدَّرُ، وجوابه جوابُ الشَّرْطِ، فيقدَّرُ دخول الفَاءِ على نفس جُمْلَةِ القَسَمِ مع جوابها تقديرُهُ : فبما أغْوَيْتَنِي فواللَّهِ لأقْعُدَنَّ.
هذا يتمم مذهبه.
والإغواء إيقاع الغَيِّ في القَلْبِ أي : بما أوْقَعْتَ في قلبي من الغَيِّ والعِنَادِ والاستكبار وقد تقدَّمَ في البَقَرَة.
قوله :" صِرَاطكَ " في نَصْبِهِ ثلاثة أوْجُهٍ : أحدها : أنَّهُ منصوبٌ على إسْقَاطِ الخَافِضِ.
قال الزَّجَّاج : ولا اختلاف بين النَّحءويين أنَّ " على " محذوفة كقولك :" ضَرَبَ زيد الظَّهْرَ والبطنَ، أي : على الظَّهْرِ والبَطْن ".
إلا أن هذا الذي قاله الزَّجَّاجُ - وإن كان ظاهِرُهُ
٣٨
الإجماع - ضعيف من حيث إنَّ حَرْفَ الجرِّ لا يطَّردُ حَذْفَهُ، بل هو مخصوص بالضَّرُورَةِ أو الشُّذوذِ ؛ كقوله :[الوافر] ٢٤١٥ - مُرُّونَ الدِّيَارَ فَلَمْ تَعُوجُوا
.........................
[وقوله] :[الطويل] ٢٤١٦ -.........................
لَوْلاَ الأسَى لقَضَانِي
[وقوله] :[الطويل] فَبَتُّ كَأنَّ العَائِدَاتِ فَرَشْنَنِي
........................
أنَّهُ منصوبٌ على الظَّرفِ، والتَّقديرُ : لأقْعُدَنَّ لهم في صِرَاطِكَ.
وهذا أيضاً ضعيف ؛ لأنَّ " صِرَاطكَ " ظرف مكان مُخْتَصّ، والظَّرْفُ المكانيُّ المختصُّ، لا يصل إليه الفِعْلُ بنفسه، بل بـ " في " تقول : صلَّيْتُ في المسجد، ونمت في السُّوقِ.
ولا تقول : صليتُ المَسْجِدَ إلا فيما استثني في كُتُبِ النحوِ، وإنْ وَرَدَ غير ذلك، كان شاذّاً ؛ كقولهم " رَجَعَ ادْرَاجَهُ " و " ذَهَبْتُ " مع " الشَّام " خاصَّة أو ضرورةً ؛ كقوله :[الطويل] َزَى اللَّهُ بالخَيْرَاتِ مَا فَعَلا بِكُمْ
َفِيقَيْنِ قَالاَ خَيْمَتَيْ أمِّ مَعْبَدِ
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٦
في خَيْمتَي، وجعلُوا نظير الآيةِ في نَصْبِ المكان المختصِّ قول الآخر :[الكامل] َدْنٌ بِهَزِّ الْكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنَهُ
ِيهِ كَمَا عَسَل الطَّريقَ الثَّعْلَبُ
يتُ أنْشَدَهُ النُّحَاةُ على أنَّهُ ضَرُورةٌ، وقد شذَّ ابن الطَّرَاوَةِ عن مذهب النُّحَاةِ فجعل " الصِّراط " و " الطَّريقَ " في هذين الموضعين مكانين مُبْهَمَيْن.
وهذا قولٌ مردودٌ ؛ لأن المُخْتَصَّ من الأمكنة ما له أقطار تحويه، وحدود تحصره، والصِّراطُ والطَّريقُ من هذا القبيل.
الثالث : أنَّهُ منصوبٌ على المفعول به ؛ لأن الفِعْلَ قبله - وإنْ كان قاصراً - فقد ضُمِّن معنى فِعْلٍ مُتَعَدٍّ.
والتقديرُ : لألزمن صراطك المستقيمَ بقُعُودي عليه.
فصل في معنى إغواء إبليس قول إبليس " فَبِما أغْوَيْتَنِي " يدلُّ على أنَّهُ أضَافَ إغواءه إلى اللَّه - تعالى -، وقوله في
٣٩


الصفحة التالية
Icon