أبَويكُم.
ويجوزُ أن يكُون التَّقْدِيرُ : لا يُخْرِجّنَّكم بفتنته إخراجاً مثل أخْرَاجِ أبويكم.
و " أبَويْكُم " واحد أبٌ للمذكَّر، وأبة للمُؤنَّثِ، فعلى هذا قيل " أبَوَانِ ".
فصل في دحض شبة من نسب المعاصي إلى الله قال الكَعْبِيُّ : هذه حجَّةٌ على من نسب المَعَاصِي إلى اللَّهِ تعالى ؛ لأنه تعالى نسبَ خروج آدم وحوَّاء، وسائر وجوه المعَاصِي إلى الشَّيْطَان، وذلك يَدُلُّ على أنَّهُ تعالى [بريءٌ عنها، فيقال له : لِمَ قُلْتُم أنَّ كون هذا العمل منسوباً إلى الشَّيْطَانِ يمنع من كونه منسوباً إلى الله تعالى ؟ ] ولِمَ لا يجوزُ أن يقال إنَّهُ تعالى لمَّا خلق القُدْرَةَ والداعية الموجبتين لذلك العمل كان منسوباً إلى الله ؟ ولما أجرى عادته بأنه يخلق تلك الدَّاعية بعد تزيين الشيطان وتحْسينِه تلك الأعمال، عند ذلك الكَافِرِ، كان منسوباً إلى الشَّيْطَانِ ؟ فصل في إخراج آدم من الجنة عقوبة له ظاهرُ الآيةِ يَدُلُ على أنَّهُ تعالى إنَّمَا أخرج آدَمَ وحَوَّاءَ من الجنة، عُقُوبَة لهما على تلك الزَّلَةِ، وظاهرُ قوله تعالى :﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة : ٣٠] يَدُلُّ على أنَّهُ تعالى خلقهما لخلافةِ الأرضِ، فأنْزَلَهُمَا من الجَنَّةِ إلى الأرْضِ لهذا المقصود، فكيف الجمع بين الوَجْهَيْنِ ؟ وجوابُهُ : ربما قيل حصل بمجموع الأمْرَيْن، وأنَّهُ خلقه ليجعله خليفة في الأرض، وجعل سبب نزوله إلى الأرْضِ وإخراجه من الجَنَّةِ هي الزلة.
قوله :" يَنْزعُ " جملة في محل نَصْبٍ على الحالِ، وفي صاحبها احتمالان : أحدهما : أنَّه الضَّميرُ في " أخْرَجَ " العائدُ على الشَّيْطَانِ، وأضاف نزع اللِّبَاسِ إلى الشَّيْطَانِ، وإن لم يباشر ذلك ؛ لأنَّهُ كان بسبب منه، فأُسند إليه كما تقول :" أنْتَ فعلت هذا " لمن حصل ذلك الفعل بسبب منه.
والثاني : أنَّهُ حال من أبَوَيْكُم، وجاز الوجْهَان ؛ لأنَّ المعنى يَصِحُّ على كلِّ من التَّقديرَيْنِ، والصِّناعَةُ مساعدة لذلك، فإنَّ الجملة مشتملةٌ على ضمير الأبَويْنِ، وعلى ضَميرِ الشَّيْطَانِ.
قال أبُو حَيَّان : فلو كان بدل " يَنْزعُ " نازعاً تعيَّن الأوَّلُ ؛ لأنه إذ ذاك لو جُوِّز الثَّاني لكان وصفاً جرى على غير مَنْ هو له، فكان يجب إبراز الضَّمير، وذلك على مذهب البَصْرِيِّينَ.
قال شهابُ الدِّين : يعني أنَّهُ يفرَّق بين الاسم والفعل، إذا جَرَيَا على غير ما هُمَا لضهُ في المَعْنَى، فإن كَانَ اسْمَاً كان مذهب البَصْريِّينَ ما ذكر، وإنْ كان فعلاً لم يَحْتَجْ إلى
٧٤
ذلك، وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المَسْألةِ، وأنَّ ابن مالكٍ سَوَّى بينهما، وأنَّ مكيّاً له فيها كلامٌ مُشْكلٌ.
وجيء بِلَفْظِ " يَنْزعُ " مضارعاً على أنَّهُ حكاية حال كأنَّها قد وقعت وانقضت.
والنَّزْعُ : الجَذْبُ للشَّيءِ بقوَّة عن مقرِّه، ومنه :﴿تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾ [القمر : ٢٠].
ومنه نَزْع القوس وتستعمل في الأعراض، ومنه نَزْعُ العداوةِ والمحَبَّةِ من القَلْبِ، ونُزع فلان كذا سُلبَه، ومنه ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً﴾ [النازعات : ١] لأنَّها تَقْلَعُ أرواح الكَفَرَة بِشِدَّةِ، ومنه المُنَازَعَةُ وهي المخاصمة.
والنَّزْعُ عن الشَّيْء كفٌّ عنه، والنَّزْعُ : الاشتياقُ الشَّدِيدُ، ومنه نَزَع إلى وَطَنِهِ ونَزَع إلى مذهب كذا نَزْعَةً، وأنْزَعَ القَوْمُ : نَزعَتْ إبلهم إلى مواطنها، ورجل أنْزَعُ أي : َالَ شعرُه، والنَّزْعَتَانِ بياض يكتنف النَّاصِيَة، والنَّزْعة أيضاً الموضع من رأس الأنْزَع، ولا يُقَالُ : امرأةٌ نَزْعَاءُ إذا كان بها ذلك، بل يُقَالُ لها : زَعْرَاءُ، وبئر نَزُوع : أي قَرِيبَةٌ القَعْرِ لأنَّهَا يُنزع منها باليدِ.

فصل في معنى " اللباس " اختلفوا في اللِّبَاسِ الذي نزع عنهما، فقيل : النُّورُ، وقيل : التُّقَى.


وقيل : ثِيَابُ الجَنَّةِ، وهذا أقرب ؛ لأنَّ إطلاق اللِّبَاسِ يقتضيه، والمقصودُ، تأكيد التَّحْذِيرِ لبني آدم.
واللامُ في قوله :" لِيُرِيهمَا سَوْءَاتِهِمَا " لام العاقبة كما ذكرنا في قوله :" لِيُبْدِي لَهُمَا ".
وقال ابْنُ عَبَّاسٍ : يرى آدمُ سَوْءَةَ حَوَّاءَ، وترى حواءُ سَوْءَاةَ آدَمَ.
قوله :﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ﴾ وهو تأكيد للضَّميرِ المتَّصل ليسوَّغَ العطف عليه، كذا عبارة بعضهم.
قال الوَاحِدِيُّ : أعاد الكِنايَةَ ليحسن العَطْفَ كقوله :[ ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة : ٣٥].
قال شهابُ الدِّين : ولا حاجةَ إلى التَّأكِيدِ في مثل هذه الصُّورَةِ] لِصِحَّةِ العَطْفِ إذ الفَاصِلُ هنا موجود، وهو كاف في صحة العطف، فليس نظير ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾
٧٤


الصفحة التالية
Icon