أنَّ المؤذن أوقع ذلك الأذان بينهم أي في وسطهم.
وعلى الثَّاني التَّقديرُ : أنَّ مؤذِّناً من بينهم أذَّن بذلك الأذان، والأول أوْلَى.
وأن يكون مُتَعَلِّقاً بمحذوف على أنَّهُ صفة لـ " مؤذّن " قال مكيّ - عند إجازته هذا الوَجْهِ - :" ولكن لا يعمل في " أنْ " مؤذِّن " إذ قد نعته " يعني أنَّ قوله :﴿أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ﴾ لا يجوز أنْ يكون معمولاً لـ " مؤذّن " ؛ لأنَّهُ موصوف واسم الفاعل متى وصف لم يعمل.
قال شهابُ الدِّين :" وهذا يوهم أنَّا إذا لم نجعل " بَيْنَهُمْ " نعتاً لـ " مؤذِّن " جاز أن يعمل في " أنْ "، وليس الأمر كذلك ؛ لأنَّكَ لو قلت : ضرب ضَارِبٌ [زيداً تنصب زيداً بـ " ضرب " لا بـ " ضارب " ].
لكني قد رأيت الواحِدِي أجاز ما أجاز مكيّ من كون " مؤذّن " عاملاً في " أن "، وإذا وصفته امتنع ذلك، وفيه ما تقدّم وهو حسن.
قوله :﴿أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ " أنْ " يجوز أن تكون المفسِّرة، وأن تكون المخففة، والجملة الاسميَّة بعدها الخبر، فلا حاجة هنا لفاصل.
وقرأ الأأخوان، وابن عامر، والبزِّي :" أنَّ " بفتح الهمزة وتشديد النون، ونصب " اللَّعنة " على أنَّهَا اسمها، و " على الظالمين " خبرها، وكذلك في [النور ٧] ﴿أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ خفَّف " أنْ " ورفع اللّعنة نافع وحده، والباقون بالتشديد والنَّصب.
[قال الواحِديُّ : مَنْ شدّد فهو الأصلُ، ومن خفَّف فهو مخففة من التشديد على إرادة إضمار القصّة والحديث تقديره : أنه لعنة الله، ومثله قوله تعالى :﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ﴾ [يونس : ١٠] التقدير : أنَّهُ، ولا يخفف " أنْ " هذه إلا وتكون بعد إضمار الحديث والشأن].
وقرأ عصمةُ عن الأعمشِ :" إنَّ " بالكسر والتشديد، وذلك : إمَّا على إضمار القول عند البصريين، وإمَّا على إجراء النِّداء مُجْرى القول عند الكوفِيِّين.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٢١
قوله :" الَّذينَ " يجوز أن يكون مرفوع المحل ومنصوبه على القطع فيهما، ومجروره على النَّعت، أو البدل، أو عطف البيانِ.
١٢٣
ومفعول " يَصُّدُّونَ " محذوف أي : يَصُدُّون النَّاسَ، ويجوز ألاّ يُقدر له مفعول.
والمعنى : الَّذين من شأنهم الصَّدُّ كقولهم :" هو يعطي ويمنع ".
ومعنى " يَصُدُّونَ " أي : يمنعون النَّاس من قبول الدين الحقِّ، إمَّا بالقهر، وإمّا بسائر الحِيَلِ.
ويجوز أن يكون " يَصُدُّونَ " بمعنى يعرضون من : صدَّ صُدُوداً، فيكون لازماً.
قوله :﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ أي بإلقاء الشكوك والشُّبُهَات في دلائل الدِّين الحق، ثم قال : و ﴿بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ﴾.
وهذا يدلُّ على فساد ما قاله القَاضِي من أنَّ ذلك اللعن يعم الفاسق والكافر.
والعِوج بكسر العين في الدّين والأمر وكلّ ما لم يكن قائماً.
وبالفتح في كلِّ ما كان قائماً كالحائظ والرُّمح ونحوه.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٢٣
أي بين أصحاب الجنَّة وأصحاب النَّار، وهذا هو الظَّاهر كقوله :﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ﴾ [الحديد : ١٣].
وقيل : بين الجنَّة والنَّار، وبه بدأ الزَّمخشريُّ.
فإن قيل : وأي حاجة إلى ضرب هذا السُّورِ بين الجنَّة والنَّار، وقد ثبت أن الجنَّة.
فوق والنَّار في أسفل السَّافِلِينَ ؟.
فالجوابُ : بُعد إحداهما عن الأخر لا يمنعُ أن يحصل بينهما سور وحجاب.
قوله :" وَعَلى الأعْرَافِ " : قال الزَّمَخْشَرِيُّ : أي : وعلى أعراف الحجاب.
قال القرطبيُّ : أعراف السّور وهي شُرَفُه، ومنه عُرْفُ الفَرَسِ وعرف الدِّيكِ، كأَنَّهُ جعل " أل " عوضاً من الإضافة وهو مذهب كوفي، وتقدَّم تحقيقه.
وجعل بعضهم نفس الأعْرَافِ هي نفس الحِجابِ المتقدم ذكره، عبر عنه تارةً بالحجاب، وتارةً بالأعراف.
قال الوَاحِديُّ - ولم يذكر غيره - :" ولذلك عُرِّفَت الأعراف ؛ لأنَّهُ عني بها الحِجَاب " قال ابن عباس.
والأعراف : جمع عُرْف بضمِّ العَيْنِ، وهو كلُّ مرتفع من أرض وغيرها استعارةً من عُرْف الدّيك، وعُرْف الفرس.
١٢٤
قال يَحْيَى بْنُ آدَمَ : سألت الكِسَائِيَّ عن واحد الأعراف فسكت، فقلت : حدثتنا امرأتك عن جَابِرٍ عن مُجَاهِدٍ عن ابن عباس قال :" الأعراف سُورٌ له عرف مثل عرف الدِّيك " فقال : نعم، وإن واحده عُرْفُ بعيرٍ، وإن جماعته أعْرَاف، يا غُلام هات القرطاس كأنَّهُ عرف بارتفاعه دون الأشياء المنخفضة، فإنَّهَا مجهولة غالباً.
قال أمية بن أبي الصلت :[البسيط] ٢٤٧٠ - وَآخَرُونَ عَلَى الأعْرَافِ قَدْ طَمِعُوا
فِي جّنَّةٍ حَفَّهَا الرُّمَّانُ والخَضِرُ
ومثله أيضاً قوله :[الرجز] ٢٤٧١ - كُلُّ كِنَازِ لَحْمِهِ نِيَافِ
كالجَبَلِ المُوفِي عَلَى الأعْرَافِ
وقال الشَّمَّاخ :[الطويل] ٢٤٧٢ - فَظَلَّتْ بأعْرَافٍ تَعَادَى كأنَّهَا
رَمَاحٌ نَحَاهَا وِجْهَةَ الرِّيحِ رَاكِزُ