قوله " الَّذِينَ " يجوز أن تكون في محل جر، وهو الظاهر، نعتاً أو بدلاً من " الكافرين "، ويجوز أن تكُون رفعاً أو نصباً على القَطْعِ.
قوله :﴿اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً﴾ فيه وجهان : الأول : أنَّهُم اعتَقَدُوا فيه أن يلاعبوا فيه، وما كانوا فيه مجدين.
والثاني : أنَّهُم اتخذوا اللّهو واللّعب ديناً لأنفسهم، وهو ما زين لهم الشيطان من تحريم البحيرة، وأخواتها، والمكاء والتصدية حول البَيْتِ، وسائر الخصالِ الذّميمة التي كانوا يفعلونها في الجاهليّة.
قال ابن عباس :" يُريدُ المستهزئين المقتسمين ".
قوله :﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ عطف على الصّلة، وهو مجاز ؛ لأنَّ الحياة لا تغرّ في الحقيقةِ، بل المرادُ أنَّهُ حصل الغرور عند هذه الحياة الدُّنيا ؛ لأنَّ الإنسان يطمع في طول العُمْرِ، وحسن العيش، وكَثْرةِ المَالِ، وقوَّة الجاهِ، فتشتدُّ رغبته في هذه الأشياء، ويصير محجوباً عن طلب الدين غَارِقاً في طلب الدنيا.
قوله :" فالْيَوْم " منصوب بما بعده.
وقوله " كَمَا " نعت لمصدر محذوف، أي : ينساهم نسياناً كنسيانهم لقاءه أي بتركهم.
١٣٥
و " ما " مصدرية ويجوز أن تكون الكاف للتَّعليل، أي : تركناهم لأجل نسيانهم لقاء يومهم.
و " يَوْمِهِمْ " يجوز أن يكون المفعول متّسعاً فيه، فأضيف المصدر إليه كما يُضَافُ إلى المفعول به، ويجوزُ أن يكون المفعول محذوفاً، والإضافة إلى ظرف الحدثِ أي : لقاء العذاب في يومهم.
فصل في معنى " النسيان " في تفسير هذا النسيان قولان : الأول : هو التّركُ والمعنى نتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم، وهذا قول الحسنِ ومجاهدٍ والسُّدِّيِّ والأكثرين.
والثاني : أنَّ المعنى ننساهم أي : نعاملهم معاملة من نسي، نتركهم في النَّار كما فعلوا في الإعراض عن آياتنا.
وبالجملة فسمَّى الله - تعالى - جزاءهم بالنّسيان كقوله تعالى :﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى : ٤٠] والمراد من هذا النسيان أنه " لاَ يُجِيْبُ دعاءَهُم ولا يَرْحمُ ضَعْفَهُمْ وذُلَّهُمْ ".
قوله :" وَمَا كَانُوا " " ما " مصدرية نسقاً على أختها المجرورة بالكاف أي : وكانوا بآياتنا يجحدون.
وفي الآية لطيف عجيبة وهي أنَّهُ - تعالى - وصفهم بكونهم كافرين ثم بيَّن من حالهم أنَّهم اتخذوا دينهم لهواً أولاً ثم لعباً ثانياً، ثم غرتهم الحياة الدُّنيا ثالثاً، ثم صار عاقبة هذه الأحوال أنَّهُم جحدوا بآيات الله، وذلك يدل أنَّ حب الدُّنْيَا مبتدأ كل آفة كما قال عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ :" حُبُّ الدُّنْيَا رَأسُ كُلِّ خَطِيْئَةٍ "، وقد يؤدي حبُّ الدُّنْيَا إلى الكُفْرِ والضَّلالِ.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٣٥
الضَّميرُ في " جِئْنَاهُم " عائد على كل ما تقدم من الكَفَرةِ، والمراد بـ " كتاب " الجنس.
وقيل : يعود على مَنْ عاصر النبي ﷺ، والمراد بالكتاب القرآن، والباء في " بكتاب " للتعدية فقط.
١٣٦
قوله :" فَصَّلْنَاهُ " صفة لـ " كتاب "، والمراد بتفصيلة إيضاحُ الحقِّ من الباطل، أو تنزيله في فصول مختلفة كقوله :﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ﴾ [الإسراء : ١٠٦].
وقرأ الجحدري وابن محيصن بالضَّادِ المعجمة أي : فضَّلْناه على غيره من الكتب السماوية.
قوله :" على عِلْمٍ " حال إمَّأ من الفاعل، أي : فصَّلناه عالمين بتفصيله، وإمَّا من المفعول أي : فَصّلناه مشّتملاً على علم ونكَّر " عِلْم " تعظيماً.
قوله :" هُدىً ورَحْمَةً " الجمهور على النصب وفيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ مفعول من أجله أي : فصَّلْناه لأجل الهداية والرحمة.
والثاني : أنَّهُ حال، إمّا من " كتاب " وجاز ذلك لتخصصه بالوصف، وإمّا من مفعول " فصَّلناه ".
وقرأ زَيْدُ بْنُ عَلِيّ :" هدىً ورحمةٍ " بالجر، وخرَّجه الكسائي والفراء على النعت لـ " كتاب "، وفيه المذاهب المشهور في نَحْوِ :[ " مررت] برجل عَدْلٍ "، وخرّجه غيرهما على البدل منه.
وقرئ :" هُدىً ورَحْمَةً " بالرفع على إضمار المبتدأ.
وقال مكي :" وأجَازَ الفرَّاءُ والكِسَائِيُّ " هُدىً ورَحْمَة " بالخفض، ويجعلانه بَدَلاً من " علم "، ويجوز " هُدىً ورحمةٌ " على تقدير :" هو هدىً ورحمةٌ "، وكأنَّهُ لم يطَّلع على أنَّهُمَا قراءتان مَرْويَّتانِ حتّى نسبهما على طريق الجواز.
وقوله :﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يدلُّ على أنَّ القرآن جعل هدى لقوم مخصوصين، والمرادُ : أنَّهُم هم الذين اهتدوا به دون غيرهم، فهو كقوله تعالى في أوَّل " البقرة "، ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [الآية : ٢].
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٣٦
قد تقدَّم الكلام على " تَأويله " في [آل عمران ٧].
١٣٧


الصفحة التالية
Icon