قوله :﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا﴾ لأنهم استحقوا الرحمة بسبب إيمانهم و ﴿وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ أي : استأصلناهم، وأهْلكناهُم عن آخرهم وما كانوا مؤمنين، فإن قيل : لما أخبر عنهم بأنَّهُم كانوا مكذبين لَزِمَ القطع بأنَّهم كانوا غير مؤمنين فمنا الفائدة في قوله بعد ذلك ﴿وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ﴾.
فالجوابُ : أن معناه أنَّهُم مكذبون في علم الله منهم أنَّهم لو بقوا لم يؤمنوا أيضاً، فلو علم أنَّهم سيؤمنون لأبقاهم.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٩٠
ثمود : اسم رجل : وهو ثَمُودُ بْنُ عاد بْن إرم بْنِ سَام بْنِ نُوحٍ، وهو أخو جديس، فثمود وجديس أخوان، ثم سُمِّيت به هذه القبيلة.
قال أبُو عَمرو بْن العلاء : سميت ثمود لقلَّة مائها، والثَّمَدُ : الماء القليلُ :[قال النابغة :[البسيط] ٢٥٠٢ - أحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الحَيِّ إذْ نَظَرَتْ
إلَى حَمَامٍ شِرَاعٍ وارِدِ الثَّمَدِ]
وكانت مساكنهم " الحجر " بين " الحِجاز " و " الشَّام " إلى " واد القرى "، والأكثر منعه الصرف اعتباراً بما ذكرناه أوَّلاً، ومن جعله اسماً للحيّ صرفه، وهي قراءة الأعمش، ويحيى بن وثَّابٍ في جميع القرآن، وقد ورد القرآن بهم صَرِيحاً.
قال تعالى :﴿أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُم بُعْداً لِّثَمُودَ﴾ [هود : ٦٨].
وسيأتي الخلاف من القُرَّاء السَّبْعةِ في سورة " هُودٍ " وغيرها.
وصالح : اسم عربيٌّ، وهو صالح بن آسف.
وقيل : ابْنُ عُبَيْدِ بْنِ آسف بن كَاشِح بْنِ أروم بْنِ ثَمُودَ [ابن جاثر].
" قال : يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِن إله غيرُهُ " أمرهم بعبادة الله، ونهاهم عن عبادة غير الله، كما ذكره عمن قبله من الأنبياء.
١٩١
قوله :﴿قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾.
قد كثر إيلاءُ هذه اللَّفظة العوامل، فهي جارية مَجْرَى " الأبْطح " و " الأبْرَقِ " في عدم ذكر موصوفها.
وقوله :" مِن ربِّكُمْ " يحتمل أن يتعلق بـ " جَاءَتْكُمْ " و " مِنْ " لابتداء الغايةِ مجازاً، وأنْ تتعلق بمحذوف ؛ لأنَّها صفةٌ بيِّنة، ولا بدَّ من حذف مُضاف، أي : من بينات ربكم ليتصادق الموصوف وصفته.
وهذا يدلُّ على أنَّ كُلَّ شيءٍ كان يذكر الدلائل على صحَّةِ التَّوْحيدِ، ولم يكتف بالتَّقْلِيدِ، وإلاَّ كان ذكر البينة - وهي الحجة - هاهنا لغواً.
قوله :﴿هَـاذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً﴾ أضاف النَّاقة إليه على سبيل التفضيلِ، كقولك : بيت الله، وروح الله ؛ لأنَّهَا لم تتوالد بين جمل وناقة، بل خَرَجَتْ من حَجَرٍ.
و " آيَةً " نصبَ على الحال ؛ لأنَّها بمعنى العلامة، والعاملُ فيها إمَّا معنى التنبيه، وإما معنى الإشارةِ، كأنَّهُ قال : أنبهكم عليها، وأشير إليها في هذه الحال.
ويجوزُ أن يكون العامل مُضْمَراً تقديرُهُ : انظروا إليها في هذه الحال، والجملة لا محلَّ لها ؛ لأنَّها كالجواب لسُؤالٍ مقدَّر، كأنهم قالوا : أين آيتك ؟ فقالك هذه ناقةُ الله.
وقوله :" لَكُم " أي : أعني لكم به، وخصّوا بذلك، لأنَّهُم هم السَّائِلُوهَا، أو المنتفعون بها من بين سَائِرِ النَّاسِ لو أطاعوا.
ويحتمل أن تكون " هَذِه نَاقَةُ الله " مفسرة لقوله :" بَيِّنَةٌ " ؛ لأنَّ البَيِّنَةَ تستدعي شيئاً يتبين به المدعى، فتكون الجملة في محل رفع على البدل، وجاز إبدالُ جملة من مفرد ؛ لأنَّهَا في قوته.
فصل في إعجاز الناقة اختلفوا في وجه كون النَّاقة آيةً : فقال بعضهم :" كانت آية بسبب خروجها بكمالها من الصخرة ".
قال القاضي : إن صحَّ هذا فهو معجزٌ من جهاتٍ : أحدها : خروجها من الجَبَلِ.
والثانية : كونها لا من ذَكَرٍ وأنثى.
والثالثة : كمالُ خَلْقِها من غير تَدْرِيجٍ.
وقيل : إنّضما كانت آية ؛ لأجل أنَّ لها شرب يوم، ولجميع ثمود شرب يوم، واستيفاء ناقةِ شرب أمَّة من الأمَمِ عجيب.
١٩٢
وقيل : إنَّما كانت آيَة ؛ لأنَّهُم كانوا في شربها يحلبون منها القدر الذي يقوم مقام الماء في يوم شربهم.
وقال الحسَنُ بالعكس من ذلك فقال : إنَّها لم تحلب قطرة لبن قط.
وقيل : وجه كونها آية أن يوم مجيئها إلى الماء، كانت جميع الحيوانات تمتنع من الوُرُودِ على المَاءِ، وفي يوم امتناعها تَرِدُ جميع الحيوانات.
واعلم أنَّ القرآن قد دلَّ على أنَّها آية، ولكن من أي الوُجُوه ؟ فليس في القرآن ذكره.
فصل في تخصيص الناقة بهؤلاء القوم فإن قيل : تلك النَّاقَةُ كانت آية لكلِّ أحد، فلم خصّ أولئك القوم بها بقوله :" لَكُمْ آيَة ".
فالجوابُ : من وجهين : الأول : أنَّهم عاينوها، وغيرهم أُخبروا عنها، ولَيْسَ الخبر كالمُعاينة.
١٩٣


الصفحة التالية
Icon