قال الكَرْمَانِيّ : حيث ذُكِرَت الرجفة وُحدت الدَّار، وحيث ذكرت الصيحة جُمِعَت الدار، لأنَّ الصيحة كانت من السماء فبلوغها أكبر وأبلغ من الزلزلة، فذكر كل واحد بالأليق [به] وقيل : في دارهم أي في بلدهم كما تقدَّم، وقيل : المراد بها الجنس.
فصل في بيان فائدة موضع الفاء في الآية الفاء في " فأخذتهم " للتَّعقيب، وقوله :﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ يقتضي أنَّ الرَّجفة أخذتهم عقيب قولهم :﴿ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ﴾ وليس الأمر كذلك لقوله تعالى في آية أخرى :﴿تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذالِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود : ٦٥] فالجوابُ : أنَّ أسباب الهلاك وجدت عقيب قولهم :﴿ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ﴾، وهو أنَّهم اصفرت وجوههم في اليوم الأوَّل، واحمرّت في اليوم الثاني : واسودَّت في اليوم الثالث، فكان ابتداء العذاب متعقباً قولهم.
ويمكن أن تكون عاطفة على الجملة من قوله :" فَأئْتِنَا " أيضاً وذلك على تَقْديرِ قرب زمان الهلاك من زمان طلبِ الإتيان.
ويجوز أن يقدر ما يصحُّ العطف عليه بالفاءِ، والتقديرُ : فوعدهم العذاب بعد ثلاث فانقضت فأخذتهم.
٢٠٠

فصل في دحق شبهة للملاحدة.


لا يلتفت إلى ما ذكره بعض الملاحدةِ في قوله :﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾، وفي موضع آخر ﴿الصَّيْحَةُ﴾ [هود : ٦٧]، وفي موضع آخر ﴿بِالطَّاغِيَةِ﴾ [الحاقة : ٥] واعتقد ما لا يجوز من وجوب التناقض إذ لا منافاة بين ذلك فإن الرجفة مترتبة على الصَّيحة ؛ لأنَّهُ لمَّا صيح بهم ؛ رجفت قلوبهم فماتوا، فَجَازَ أن يسند الإهلاكُ إلى كل منهما.
وأمّا " بالطَّاغية " فالباء للسببية، والطَّاغية : الطغيان مصدر كالعاقبة، ويقال للملك الجبَّار : طاغية، والتّاء فيه كعلاَّمةٍ ونسَّابةٍ، ففي أهلكوا بالطاغيَة، أي : بطغيانهم كقوله :﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ﴾ [الشمس : ١١].
قال أبو مسلم :" الطَّاغية : اسم لكلِّ ما تجاوز عن حدِّه سواء كان حيواناً أو غير حيوان :﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق : ٦]، وقال :﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ﴾ [الشمس : ١١].
وقال غير الحيوان :﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَآءُ﴾ [الحاقة : ١١] أي : غلب وتجاوز عن الحدِّ.
فصل في شهود الناقة قيل إنَّ القوم قد شاهدوا خُرُوج النَّاقةِ من الصخرة، وذلك معجزة قاهرة تلجىء المكلف، وأيضاً شاهدوا الماء الذي كان شرباً لكل أولئك الأقوام في أحد اليومين، كان شَرباً لتلك النَّاقة الواحدة في اليَوْمِ الثَّانِي، وذلك معجزة قَاهِرَةٌ تقرب الملك فمن الإلجاء.
وأيضاً إنَّ القوم لما نحروها توعدهم صالح بالعذابِ، وشاهدوا صدقه على ما روي أنَّهم احمروا في اليوم الأوَّل، واصفرُّوا في اليوم الثَّاني، واسودُّوا في اليود الثالث، مع مشاهدة تلك المعجزة العظيمة، ثم شاهدوا علامات نُزول العذاب الشديد في آخر الأمر، هل يحتمل أن يبقى العاقل مع هذه الأحوال مُصرّاً على كفره ؟ فالجوابُ : أن يقال : إنَّهَم قبل مشاهدتهم تلك العلامات من نزول العذاب كانُوا يكذبون، فلما نزلت بهم أول علامات العذاب وشاهدوها خرجوا عند ذلك عن حد التكليف فلم تكن توبتهم مَقْبُولَةً.
قوله :" فَأصْبَحُوا " يجوز أن تكون النَّاقصة و " جَاثِمينَ " خبرها و " في دَارِهِم " متعلّق به، ولا يجوز أن يكثونَ الجارُّ خبراً و " جَاثِمِين " حال، لعدم الفائدة بقولك :﴿فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾، وإن جاز الوجهان في قولك : أصبح زيد في الدَّار جالساً.
ويجوز أن تكون التامة، أي : دخلوا في الصباح، و " جَاثِمِينَ " حال، والأول أظهر.
٢٠١


الصفحة التالية
Icon