فرفع بـ " عاد " ضمير الأول ونصب بها " جَعْداً "، ومَنْ مَنَع ذلك يَجْعل المنصوب حالاً قال :[الطويل] ٢٥٢١ - فَإنْ تَكُنْ الأيَّامُ أحْسَنَ مُدَّةً
إليَّ فَقَدْ عَادَتْ لَهُنَّْ ذُنُوبُ
أي : صار لهن ذنوب، ولم يرد أن ذنوباً كانت لهن قبل الإحسان، وعلى هذا فزال الإشكال، والمعنى : لتصرينّ في ملتنا بعد أن لم تكونوا، فـ " في ملتنا " خبر على هذا وأمّا على الأول فالجواب من وجوه : أحدها : أن هذا القول من رؤسائهم، قصدوا به التلبيس على العوام، والإيهام لهم أنه كان على دينهم وفي مِلَّتِهِمْ.
الثاني : أنهم خاطبوا شعيباً بخطاب أتباعه، وأجروا عليه أحكامهم.
الثالث : أن يُراد بعَوْده رجوعُه إلى حالة سكوته قبل بعثته ؛ لأنه قبل أن يبعث إليهم كان يُخْفي إيمانه، وهو ساكت عنهم بريء مِنْ معبودهم غير الله.
وعدَّى " عاد " بـ " في " الظرفية، كأن المِلَّة لهم بمنزلةِ الوعاءِ المحيط بهم.
قوله :﴿أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾ الاستفهامُ للإنكار تقديره : أيوجدُ منكم أحد هذين الشيئين : أعني الإخراج من القرية، والعَوْد في الملة على كل حال حتى في حال كراهتنا لذلك ؟.
وقال الزمخشري :" الهمزةُ للاستفهام، والواوُ واو الحال تقديره : أتعيدوننا في ملَّتكم في حال كراهتنا ".
قال أبو حيان :" وليست هذه واو الحال، بل واو العطف، عطفت هذه الحال على حال محذوفة، كقوله - عليه الصلاة والسلام - :" رُدُّوا الساَّئِلَ ولَوْ بِظلْفٍ مُحرقٍ "
٢١٥
ليس المعنى : رُدُّوه حال الصدقة عليه بظلف مُحرق، بل معناه : رُدُّوه مصحوباً بالصدقة ولو مصحوباً بظلفٍ محرق، وقد تقدّمت هذه المسألة، وأنه يصح أن تُسمَّى واو الحال وواو العطف [وتحرير ذلك، ولولا تكريره لما كرَّرْته].
وقال أبو البقاء : و " لو " هنا بمعنى " إنْ " لأنها للمستقبل، ويجوز أن تكون على أصلها، ويكون المعنى : لو كنا كارهين في هذا الحال أي أن كنا كارهين لذلك فتجبروننا عليه.
وقوله :" لأنها للمستقبل " ممنوع.
قوله :" إنْ عُدْنَا " شرط جوابه محذوف عند الجمهور أي : فقد افترينا، حذف لدلالة ما تقدم عليه، وعند أب زيد والمبرد والكوفيين هو قوله :" فقد افتَرْينا " وهو مردود بأنه لو كان جواباً بنفسه لوَجَبَتْ فيه الفاء.
وقال أبو البقاء :" قد افترينا بمعنى المستقبل ؛ لأنه لم يقع، وإنما سَدَّ مَسَدَّ جواب " إنْ عُدْنا " وساغ دخولُ " قد " هنا لأنهم نَزَّلوا الافتراء عند العود منزلة الواقع فقرنوه بـ " قد "، وكأنَّ المعنى : قد افترَيْناه الآن إن هَمَمْنا بالعود ".
وفي هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنها استئناف إخبار فيه معنى التعجب، قاله الزمخشري، كأنه قيل : ما أكذبنا على الله إن عُدْنا في الكفر.
والثاني : أنها جواب قسم محذوف حذفت اللام منه، والتقدير : والله لقد افترينا، ذكره الزمخشري أيضاً، وجعله ابن عطية احتمالاً وأنشد :[الكامل] ٢٥٢٢ - بَقَّيْتُ مَالِي وانْحَرَفْتُ عَنِ العُلَى
وَلَقِيتُ أضْيَافِي بِوَجْهِ عَبُوسِ
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢١٤
قال :" كما تقول : افتريتُ على الله إن كلَّمت فلاناً " ولم يُنْشِدْ ابن عطية البيت الذي بعد هذا، وهو محلُّ الفائدة ؛ لأنه مشتمل على الشرط وهو :[الكامل] ٢٥٢٣ - إنْ لَمْ أشُنَّ عَلَى ابْنِ هِنْدِ غَارَةً
لَمْ تَخْلُ يَوْماً مِنْ نهابِ نُفُوسِ
قوله :﴿بَعْدَ إذْ نَجَّانَا﴾ منصوب بـ " نعود " أي : ما يكون ولا يستقيم لنا عود بعد أن حصل لنا التنجيةُ منها.
فصل في معنى التنجية وفي معنى ﴿نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا﴾ وجوه :
٢١٦


الصفحة التالية
Icon