إلى المسلمين من غير قتال من أموالهم، فهو إلى النبي ﷺ يضعهُ حيثُ يشاءُ ".
وثانيها : الأنفالُ : الخُمس، وهو قول مجاهد.
قال القومُ إنما سألوهُ عن الخمس فنزلت الآية.
وثالثها : أنَّ الأنفال هي السَّلب الذي يأخذه الغازي زائداً على سهمه من المغنم ترغيباً لهُ في القتال كقول الإمام : مَنْ قتلَ قَتِيلاً فلهُ سلبُهُ وقوله للسرية " ما أصبتُمْ فهُو لكُمْ، أو فلكم نصفه أو ربعه " ولا يخمس النفل.
وعن سعد بن أبي وقَّاصِ قال :" قتل أخي عمير يوم بدر فقتلتُ به سعد بن العاص بن أمية وأخذت سيفه، وكان يسمَّى ذا الكتيفةِ فأعجبني فجئت به إلى رسول الله ﷺ، فقلت له : إنَّ الله شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف، فقال :" ليس هُو لِي، ولا لك اطراحهُ في القبض " فطرحته ورجعت، وبي ما لا يعلمه إلا اللَّه من قتل أخي، وأخذ سلبي، وقلتُ وعسى أن يعطي هذا من لم يبل بلائي، فما جاوزت إلاَّ قليلاً حتى جاءنِي رسولُ الله ﷺ وقد أنزل اللَّهُ ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ﴾ فقال : يا سعدُ إنَّك سألتني السيف، وليس لي، وإنه قد صار لي فخذه " قال القاضي :" وكلُّ هذه الوجوه تحتمله الآية، وليس فيها دلالةٌ على ترجيح بعضها على البعض.
فإن صحَّ دليلٌ على اليقين قضي به، وإلاَّ فالكلُّ محتملٌ، وإرادة الجميع جائزة فلا تناقض فيها ".
قوله :﴿قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ أي : حكمها للَّهِ ورسوله يقسمانها كما شاءا.
٤٤٦
قال مجاهد، وعكرمة، والسديُّ : إنها نسخت بقوله :﴿فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال : ٤١].
وهو قول ابن عباس في بعض الروايات.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هي ثابتةٌ غير منسوخة، ومعنى الآية : قل الأنفال للَّه في الدنيا والآخرة، وللرسُول يضعها حيُ أمره اللَّهُ، أي : الحكمُ فيها لله ورسوله، وقد بيَّن الله مصارفها في قوله :﴿وَاعْلَمُوا اا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال : ٤١] الآية.
قوله :﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ وتقدَّم الكلام على ذات في آل عمران، وهي هنا صفةٌ لمفعولٍ محذوف تقديره : وأصلِحُوا أحْوالاً ذات افتراقكم وذات وصلكم أو ذات المكان المتصل بكم، فإنَّ " بَيْن " قد قيل : إنه يراد به هنا : الفِراقُ أو الوصلُ، أو الظَّرف، وقال الزجاج وغيره : إنَّ ذات هنا بمنزلة حقيقة الشَّيء ونفسه، وقد أوضح ذلك ابنُ عطيَّة.
وقال أبُو حيَّان :" والبينُ الفراقُ، وذات نعت لمفعولٍ محذوف، أي : وأصلحُوا أحوالاً ذات افتراقكم، لمَّا كانت الأحوالُ ملابسةً للبين أضيفت صفتها إليه، كما تقول : اسقني ذا إنائك، أي : ماءً صاحب إنائك، لمَّا لابس الماءُ الإناءَ وصف بـ " ذَا " وأضيفَ إلى الإناءِ، والمعنى : اسْقِنِي ما في الإناءِ من الماء ".
قوله :﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
قال ابن عطيَّة : جواب الشرط المتقدم في قوله وأطيعُوا هذا مذهبُ سيبويه، ومذهب المبردك أنَّ الجواب محذوفٌ متأخر، ومذهبه في هذا ألاَّ يتقدَّم الجوابُ على الشرط وهذا الذي ذكرهُ نقل النَّاسُ خلافه، نقلوا جواز تقديم جواب الشرط عليه عن الكوفيين، وأبي زيد، وأبي العبَّاس، واللَّهُ أعلمُ.
ويجوز أن يكون للمبرِّد قولان، وكذا لسيبويه ؛ لأنَّ قوله :﴿قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ يقتضي أن تكون الغنائم كلها للرسول.
ومعنى الآية : اتَّقُوا اللَّه بطاعته وأصلحوا الحال بينكم بترك المنازعة، والمخالفة، وتسليم أمر القسمة إلى الله والرسول :﴿وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ أي : إنَّ الإيمان الذي دعاكم الرسول إليه لا يتم إلا بالتزام الطَّاعة، فاحذروا الخروج والمخالفة.
٤٤٧
واحتجَّ من قال : ترك الطَّاعة يوجب زوال الإيمان بهذه الآية ؛ لأنَّ المعلَّق بكلمة " إنْ " على الشَّيء عدم عند عدم الشَّيء.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٤٣