بكونه مؤمناً حقّاً ؛ لأنَّ الله تعالى إنَّما وصف بذلك أقواماً مخصوصين على أوصاف مخصوصة، وكلُّ أحدٍ لا يتحقَّقُ وجود ذلك الأوصاف فيه وقال ابنُ أبي نجيح : سألَ رجلٌ الحسن فقال : أمؤمن أنت ؟ فقال : إن كنت تسألني عن الإيمان باللَّه وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والجنَّة، والنَّار، والبعث، والحساب، فأنا بها مؤمن وإن كنت تسألني عن قوله :﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال : ٢] الآية، فلا أدري أمنهم أنا أم لا ؟.
وقال علقمةُ : كنا في سفر فلقينا قوماً فقلنا : من القومُ ؟ فقالوا : نحنُ المؤمنون حقاً، فلم ندر ما نجيبهم حتَّى لقينا عبد الله بن مسعود، فأخبرناه بما قالوا : قال : فما رَدَدْتُمْ عليهم ؟ قلنا : لم نردّ عليهم شيئاً، قال : أفلا قلتم أمِنْ أهلِ الجنَّة أنتم ؟ إنَّ المؤمنين أهلُ الجنَّةِ.
وقال سفيانُ الثوريُّ : من زعم أنَّهُ مؤمن حقاً عند الله، ثم لم يشهدْ أنَّه في الجنَّة فقد آمن بنصف الآية دون النِّصف.
ثم قال تعالى :﴿لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ قال عطاءٌ : بمعنى : درجات الجنَّةِ ويرتقونها بأعمالهم، قال الربيعُ بنُ أنس : سبعون درجة بين كلِّ درجتين حر الفرس المضر سبعين سنة " ومَغْفرةٌ " لذنوبهم وَرِزقٌ كريمٌ حسن.
قال الواحديُّ : قال أهل اللُّغةِ : الكريمُ : اسم جامع لكل ما يحمدُ ويستحسنُ، والكريم المحمود فيما يحتاج إليه فاللَّهُ تعالى موصوفٌ بأنه كريم، والقرآنُ موصوف بأنَّه كريم، قال تعالى :﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ [الواقعة : ٧٧] وقال تعالى :﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ [الشعراء : ٧] ﴿وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً﴾ [النساء : ٣١] وقال :﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾ [الإسراء : ٢٣] فالرزق الكريم هو الشريفُ الفاضل الحسن.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٤٩
في قوله ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ﴾ عشرون وجهاً : أحدها : أنَّ الكاف نعتٌ لمصدر محذوف تقديرهُ : الأنفالُ ثابتةٌ للَّه ثبوتاً كما أخرجك، أي : ثبوتاً بالحقِّ كإخراجك من بيتك بالحقِّ، يعني لا مرية في ذلك، ووجه هذ التَّشبيه أنَّ النبي ﷺ لمَّا رأى كثرة المشركين يوم بدرٍ، وقلَّة المؤمنين قال : مَنْ قتل قتيلاً فله كذا، ومَنْ أسر أسيراً فله كذا، لِيرغِّبَهُم في القتال، فلمَّا انهزم المشركون قال سعدٌ : يا رسول اللَّهِ إنَّ جماعة من أصحابك وقومك فدوك بأنفسهم، ولم يتأخَّرُوا عن القتال جُبْناً، ولا بُخْلاً ببذل مهجتهم، ولكنَّهم أشفقوا عليك من أن تُغتال، فمتى أعطيت هؤلاء ما سميته لهم ؛ بَقِيَ خلقٌ من المسلمين بغير شيء ؛ فأنزل اللَّهُ تعالى :{يَسْأَلُونَكَ عَنِ
٤٥٠