حقَّا فسيكونُ، وإن تَمْضِ الثلاث، ولم يكن من ذلك شيء ؛ نكتب عليكم كتاباً أنَّكُمْ أكذبُ هل بيت في العرب قال العباس : فواللَّهِ ما كان منِّي إليه كبير فلمَّا كان بعد ثلاث إذْ هو يسمعُ صوتَ ضمضمٍ بن عمرو وهو يصرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره وقد جدع بعيره، وحول رحله، وشق قميصه، وهو يقولُ : يا معشر قريش اللَّطيمة، أموالكم مع أبي سفيان، قد عرض لها مُحَمَّدٌ في أصحابه ولا أرى أن تدركوها الغوث.
فخرج أبو جهلٍ بجميع أهل مكَّة وهم النَّفيرُ، وفي المثل السَّائر : لا في العير، ولا في النفير، فقيل له : إنَّ العير قد أخذت طريق السَّاحل، ونجتْ، فارجع بالنَّاس إلى مكة، فقال : لا والله لا يكونُ ذلك أبداً حتَّى ننحرَ الجزور، ونشرب الخُمُورَ، ونقيم القينات والمعازف ببدر، فيتسامع العربُ بخروجنا، وأنَّ محمداً لم يُصِب العير، فمضى بهم إلى بدرٍ، وبدرٌ كانت العربُ تجمع فيه يوماً في السَّنةِ لسوقهم.
" ونزل جبريلُ وقال : إنَّ القوم قد خرجوا من مكَّة على كلِّ صعبٍ وذلولٍ، وإن الله قد وعدكم أحدى الطائفتين فالعيرُ أحب إليكم أم النفير ؟.
قالوا : بل العيرُ أحبُّ إلينا من لقاء العدو، فتغيَّر وجهُ رسول الله ﷺ، وقال : إنَّ العير قدمضت على ساحلِ البَحْرِ، وهذا أبو جهل قد أقبل.
فقالوا : يا رسول الله عليك بالعير ودَع العدُوَّ فقام عند غضب رسول الله ﷺ أبو بكر وعمر لإأحسنا، ثمَّ قام سعدُ بنُ عبادة وقال : امْضِ لِمَا أمرك اللَّهُ به، فواللَّهِ لو سرت إلى عدن ما تخلَّف رجلٌ عنك من الأنصار، ثم قال المقدادُ بنُ عمرو : يا رسول الله امض لما امرك اللَّهُ ؛ فإنَّ معك حيث أردت، لا نقولُ لك كما قالت بَنُو إسرائيل لموسى :﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا اا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة : ٢٤] ولكن نقول : اذْهَبْ أنت وربُّك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون ما دامت عين منَّا تطرف، فضحك رسولُ اللَّه ﷺ ثم قال :" سِيرُوا على بركةِ الله، وأبشروا، فإنَّ اللَّهَ اللَّهَ قد وعدنِي إحْدَى الطائفتين، واللَّهِ لكَأنِّي الآن أنظرُ إلى مصارعِ القوْمِ " عن أنس قال رسُول اللَّهِ ﷺ " هذا مصرعُ فُلانٍ قال : ويضعُ يدهُ على الأرض ههنا وههنا، قال : فَمَا مَاطَ أحدهم عن موضع يَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولمَّا فرغ نبيُّ الله من بدر قال بعضهم : عليك بالعير، فناداهُ العبَّاسُ وهو في وثاقه : لا يصلحُ، فقال النبي ﷺ : لِمَ ؟ قال : لأنَّ اللَّهَ وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك "
٤٥٥
إذا عرف ذلك نقولُ كانت كراهية القتال حاصلة لبعضهم لقوله تعال :﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ [الأنفال : ٥] والحق الذي جادلوك فيه رسول الله ﷺ تليق النفير لايثارهم العير.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٥٠
قوله :﴿بَعْدَمَا تَبَيَّنَ﴾ المرادُ منه : إعلام رسُول اللَّهِ بأنَّهم ينصرون، وجدالهم قولهم : ما كان خُروجنا إلاَّ للعير، وهلاَّ قلت لنا لنستعدّ ونتأهبّ للقتالِ ؛ لأنَّهم كانُوا يكرهون القتال ثُم إنَّه تعالى شبَّه حالهم في فرط فزعهم بحال من يُجَرّ غلى القتل، ويُسَاق إلى الموت وهو شاهد لأسبابه ناظر إلى موجبته، ومنه قوله عليه السَّلأامُ :" من نفى ابنه وهو ينظر إليه " أي يعلم أنَّه ابنه، كقوله تعالى :﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ [النبأ : ٤٠] أي يعلم وكان خوفهم لأمور : أحدها : قلَّة العدد.
وثانيها : كانوا رجَّالة، روي أنه ما كان فيهم إلا فارسان.
وثالثها : قلة السلاح.
قوله : يُجالدُونك يحتمل أن يكون مُسْتأنفاً إخباراً عن حالهم بالمجادلةِ، ويحتمل أن يكون حالاً ثانية أي : أخرجك في حال مجادلتهم إيَّاك، ويحتمل أن يكون حالاً من الضَّمير في لكارهُون، أي : لكارِهُونَ في حال جدالٍ.
والظاهرُ أنَّ الضميرَ المرفوع يعودُ على الفريق المتقدِّم.
ومعنى المجادلة قولهم : كيف تُقاتل ولم نستعد للقتال ؟ ويجوزُ أن يعود على الكفَّارِ، وجدالهم ظاهر.
قوله : بَعْدَ ما تبيَّن منصوب بالجدال، و " ما " مصدرية، أي : بعد تَبينِهِ ووضوحه، وهو أقبحُ من الجدال في الشَّيء قبل إيضاحه.
وقرأ عبد الله " بُيِّن " مبنياً للمفعول من : بَيَّنتُهُ أي : أظهرته، وقوله :" وهُمُ ينظرُونَ " حالٌ من مفعول يُساقُونَ.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٥٥
قوله " وإذْ يعدُكُمُ " " إذْ " منصوب بفعل مقدر، أي : اذكر إذْ، والجمهور على رفع الدال ؛ لأنَّه مضارع مرفوع.
وقرأ مسلمة بنُ محاربٍ : بسكونها على التَّخفيفِ لتوالي الحركاتِ.
٤٥٦