وقيل : على الرمي قالهما مكيٌّ، والظَّاهر أنها تعود على الَّهِ تعالى.
وقوله :" بَلاَءً " يجوزُ أن يكون اسم مصدر، أي : إبلاء، ويجوزُ أن يكون أريد بالبلاء نفس الشيء المبلو به، والمرادُ من هذا البلاء الإنعام أي : ولينعم على المؤمنين نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة والأجر.
قال القاضي : ولولا أنَّ المفسرين اتفقوا على حمل البلاءِ هنا على النعمة، وإلاَّ لكان يحتمل المِحْنَة بالتكليف فيما بعده من الجهاد ثمَّ قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ لدعائكم " عَلِيمٌ " بنيّاتكم.
قوله : ذَلِكُمْ " يجوز فيه الرفعُ على الابتداء أي : ذلكم الأمر، والخبر محذوف قاله الحوفيُّ، والأحسنُ أن يقدَّر الخبر ذلكم البلاء حق وحتمٌ.
وقيل : هو خبر مبتدأ، أي : الأمر ذلكم، وهو تقدير سيبويه.
وقيل : محلُّه نصب بإضمار فعلٍ أي : فعل ذلكم، والإشارةُ بـ " ذَلِكُمْ " إلى القتل والرمي والإبلاء.
قوله :" وأنَّ اللَّه " يجوزُ أن يكون معطوفاً على :" ذَلِكُمْ " فيحكم علىمحلِّه بما يحكمُ على محلِّك " ذَلِكُمْ "، وأن يكون في حلِّ نصبٍ بفعل مقدَّر أي : واعلموا أنَّ الله، وقد تقدم ما في ذلك.
وقال الزمخشريُّ :" إنَّه معطوف على :" وليُبْلي " والمعنى : أنَّ الغرضَ إبلاءُ المؤمنين، توهينُ كيد الكافرين ".
وقرأ ابنُ عامر والكوفيون :" مُوهِن " بسكون الواوِ وتخفيف الهاءِ، من " أوهَن " كـ : أكْرَم، ونوَّن " موهن " غير حفص، وقرأ الباقون :" مُوهِّن " بفتح الواو، وتشديد الهاءِ، والتنوين، فـ " كَيْد " منصوبٌ على المفعول به في قراءة غير حفص، ومخفوضٌ في قراءة حفص، وأصله النَّصْبُ وقراءة الكوفيين جاءت على الأكثرر ؛ لأن ما عينه حرف حلقٍ غير الهمزة تعديته بالهمزة ولا يُعَدَّى بالتَّضعيف إلاَّ كلمٌ محفوظ نحو : وهَّنْتُه وضعَّفْتُه.

فصل توهينُ الله كيدهم يكون بأشياء : بإطلاع المؤمنين على عوراتهم.


وإلقاء الرعب في قلوبهم وتفريق كلمتهم.
ونقض ما أبرموا بسبب اختلاف عزائمهم.
٤٨٣
قال ابن عبَّاسٍ : ينبئ رسول الله ﷺ ويقول :" إنّي قد أوْهَنْتُ كَيْدَ عدوك حتى قتلت خيارهم وأسرت أشرافهم "
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٩
قوله :﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ قال الحسنُ، ومجاهد، والسُّدِّي : إنه خطابٌ للكافرين، وذلك أنَّ أبا جهل قال يوم بدر : اللَّهم، انصر أفضل الفريقين وأحقَّه بالنَّصْر.
وروي أنه قال : اللَّهم، أينا كان أقطع للرَّحمِ وأفجر ؛ فأهلكه الغداة.
وقال السدي :" لمَّا أراد المشركون الخروج إلى بدر تعلَّقُوا بأستار الكعبة وقالوا : اللَّهُمَّ انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين، فأنزل الله تعالى :﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ أي : تستنصروا لإحدى القبيلين، فقد جاءكم النصر ".
وقال آخرون : المعنى : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
قال عبد الرحمن بن عوف : إني لَفِي الصَّف يوم بدر، فالتفت، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السِّنِّ وكأني لم آمن لمكانهما، فتمنيت أن أن أكون بين أضلع منهما، إذ قال لي أحدهما سرّاً من صاحبه، أي عم أرني أبا جهل، فقلت : يا ابن أخي ما تصنعُ به ؟.
قال : عاهدت الله إن رأيته أن أقتله، أو أموت دونه، وقال لي الآخر سرّاً من صاحبه مثله، فما سَرَّني أنني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما عيله، فشدَّا عليه مثل الصقرين حتَّى ضرباهُ، وهما ابنا عفراء.
وقال عكرمةُ : قال المشركون : والله ما نعرف ما جاء به فافتح بيننا وبينه بالحق،
٤٨٤


الصفحة التالية
Icon