سورة الإسراء قولهم :﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً﴾ [الإسراء : ٩٠] الآيات، وهذا أيضاً كلامُ الكُفَّار فقد حصل من كلامهم ما يشبه نظم القرن، فدلَّ على حصول المعارضة.
الوجه الثاني : أنَّ كفار قريش كانُوا معترفين بوجود الإله، وقدرته، وكانوا قد سمعوا التَّهديد الكثير من محمد ﷺ في نزول العذاب، فلو كان القرآن معجزاً لعرفوا كونه معجزاً، لأنهم أرباب الفصاحةِ والبلاغةِ، ولو عرفوا ذلك لكان أقلّ الأحوال أن يَشُكُّوا في نبوَّة محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام -، ولو كانُوا كذلك لما أقدموا على قولهم :﴿اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ﴾ ؛ لأن الشَّاك لا يتجاسر على مثل هذه المبالغة وحيث أتوا بهذه المبالغة علمنا أنَّه ما لاح لهم في القرآن وجه من الوجوه المعجزة.
فالجواب عن الأول : أنَّ الإتيان بهذا القدر من الكلامِ لا يكفي في حصول المعارضة ؛ لأنَّ هذا القدر كلام قليل لا يظهر فيه وجوه الفصاحة والبلاغة.
والجوابُ عن الثَّانِي : هَبْ أنَّه لم يظهر لهم الوجه في كون القرآن معجزاً إلاَّ أنَّهُ لما كان معجزاً في نفسه، فسواء عرفوا ذلك الوجه أو لم يعرفوا فإنه لا يتفاوت الحال.
قوله " هُو الحقَّ " العامَّةُ على نصب " الحقَّ " وهو خبر الكون، و " هُوَ " فصل، وقد تقدَّم الكلام عليه.
وقال الأخفشُ :" هو " زائد، ومرادُه ما تقدَّم من كونه فصلاً.
وقرأ الأعمش، وزيدُ بن علي : برفع " الحقَّ " ووجهها ظاهرٌ، برفع " هُوَ " بالابتداء و " الحق " خبره، والجملةُ خبرُ الكونِ ؛ كقوله :[الطويل] ٢٦٩٩ - تَحِنُّ إلَى لَيْلَى وأنْتَ تَركْتَهَا
وكُنْتَ عليْهَا بالمَلا أنْتَ أقْدَرُ
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٠٣
وهي لغةُ تميم.
وقال ابن عطية : ويجوز في العربية رفع " الحقّ " على خبر " هو " والجملة خبر لـ " كان ".
قال الزَّجَّاجُ " ولا أعلم أحداً قرأ بهذا الجائز "، وقد ظهر من قَرأَ به وهما رجلان جليلان.
قوله :" مِنْ عندِكَ " حال من معنى " الحَقّ " : أي : الثَّابت حال كونه من عندك.
وقوله " مِنَ السَّماءِ " فيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ متعلقٌٌ بالفعل قبله.
والثاني : أنه صفة لـ " حِجَارةً " فيتعلقُ بمحذوفٍ.
٥٠٤
وقوله :" مِنَ السَّماءِ " مع أنَّ المطر لا يكون إلاَّ منها، قال الزمخشريُّ :" كأنه أراد أن يقال : فأمطرْ علينا السِّجِّيلَ، فوضع حجارة من السماء موضع السِّجِّيل كما يقالك صب عليه مسرودةً من حديد، تريدُ درعاً ".
قال أبو حيان :" إنَّهُ يريد بذلك التَّأكيد " قال :" كَمَا أنَّ قوله :" من حديد " معناه التأكيد ؛ لأنَّ المسرودَ لا يكون إلاَّ من حديدٍ، كما أنَّ الأمطارَ لا تكونُ إلاَّ من السَّماءِ ".
وقال ابنُ عطيَّة :" قولهم " مِنَ السَّماءِ " مبالغة وإغراق ".
قال أبو حيَّان :" والذي يظهر أنَّ حكمة قولهم :" مِنَ السَّماءِ " هي مقابلتُهم مجيءَ الأمطارِ من الجهة التي ذكر عليه الصلاة والسلام أنه يأتيه الوحي من جهتها، أي : إنَّك تذكر أن الوحي يأتيك من السَّماءِ، فأتِنَا بالعذاب من الجهة التَّي يأتيك الوحي منها، قالوه استبعاداً له ".

فصل قال عطاءٌ :" لقد نزل في النضر بن الحارث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر ".


قال سعيدُ بنُ جبيرٍ " قتل رسولُ الله ﷺ يوم بدرٍ ثلاثةً من قريشٍ صبراً طعيمة بن عدي، وعقبة بن أبي معيطٍ، والنَّضْر بن الحارث ".
وروى أنس أن الذي قال هذا الكلام أبُو جُهْلٍ.
قوله :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ اللاَّم في " ليُعَذِّبهُمْ " قد تقدَّم أنها لامُ الجحود، والجمهورُ على كسرها، وقرأ أبُو السَّمَّال : بفتحها.
قال ابن عطية عن أبي زيد :" سمعت من العرب من يقول " ليُعَذِّبهُمْ " بفتح اللاَّم، وهي لغةٌ غيرُ معروفةٍ ولا مستعملةٍ في القرآن ".
يعني في المشهور منه، ولمْ يَعْتَدَّ بقراءة أبي السمال، وروى ابن مجاهد عن أبي زيد فَتْحَ كلِِّ لامٍ عن بعض العربِ إلاَّ في
٥٠٥


الصفحة التالية
Icon