وإذا تقرَّر هذا فـ " أنَّ " وما علمتْ فيه في محلِّ رفع على الابتداء، والخبرُ محذوفٌ تقديره : فواجبٌ أنَّ لله خمسهُ، والجملةُ من هذا المبتدأ والخبر خبر لـ " أنَّ ".
وظاهر كلام أبي حيان أنه جعل الفاء داخلةً على :" أنَّ للَّهِ خُمُسَهُ " من غير أن يكون مبتدأ وخبرها محذوف، بل جعلها بنفسها خبراً، وليس مرادهُ ذلك، غذ لا تدخل هذه الفاءُ على مفردٍ، بل على جملةٍ، والذي يُقَوِّي إرادته ما ذكرنا أنه حكى قول الزمخشريِّ، أعني كونه قدَّر أنَّ " أنَّ "، وما في حيِّزها مبتدأٌ، محذوفُ الخبر، فجعلهُ قولاً زائداً على ما قدَّمه.
ويجوز في " ما " أن تكون شرطيةً، وعاملُها " غَنِمْتُم " بعدها، واسمُ " أنَّ " حينئذٍ ضميرُ المرِ والشَّأنِ وهو مذهبُ الفرَّاءِ، إلاَّ أنَّ هذا لا يجوزُ عند البصريين إلاَّ ضرورةً، بشرط ألاَّ يليها فعل ؛ كقوله :[الخفيف] ٢٧٠٧ - إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكَنِيسَة يَوْماً
يَلْقَ فِيهَا جَآذِراً وظِبَاءَ
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥١٦
وقول الآخَرِ :[الخفيف] ٢٧٠٨ - إنَّ مَنْ لامَ بَنِي بنتِ حَسَّا
نَ ألُمْهُ وأعُصِهِ في الخُطُوبِ
وقيل : الفاءُ زائدةٌ، و " أنَّ " الثانيةُ بدلٌ من الأولى.
وقال مكي :" وقد قيل " إنَّ الثانية مؤكدةٌ للأولى، وهذا لا يجوز لأنَّ الولى تبقى بغير خبر ؛ ولأنَّ الفاء تحول بين المؤكَّد والمؤكِّد وزيادتها لا تَحْسُن في مثل هذا ".
وقيل :" ما " مصدريَّةٌ، والمصدر بمعنى المفعول أي : أنَّ مغنومكم هو المفعول به، أي : واعلموا أنَّ غُنمكم، أي : مغنومكم.
والغنيمةُ : أصلها من الغُنْمِ، وهو الفوزُ، يقال : غنم يغنم فهو غانم، وأصلُ ذلك من الغنم هذا الحيوان المعروف، فإنَّ الظفر به يُسَمَّ غُنْماً، ثم اتُّسِع في ذلك، فَسُمِّي كلُّ شيء مظفورٍ به غُنْماً ومَغْنَماً وغَنيمة ؛ قال علقمةُ بنُ عبدةَ :[البسيط] ٢٧٠٩ - ومُطْعَمُ الغُنْمِ يَوْمَ الغُنْمِ مُطعمُهُ
أنَّى توَجَّهَ والمَحْرُومُ مَحْرُومُ
٥١٧
وقال الآخر :[الوافر] ٢٧١٠ - لَقَدْ طَوَّفْتُ فِي الآفَاقِ حَتَّى
رَضيتُ من الغنيمة بالإياب
قوله " مِنْ شيءٍ " في محلِّ نصبٍ على الحال من عائد الموصول المقدَّر، والمعنى : ما غنمتموه كائناً من شيء، أي : قليلاً أو كثيراً.
وحكى ابن عطية عن الجعفي عن أبي بكر عن عاصم.
وحكى غيره عن الجعفيِّ عن هارون عن أبي عمرو :" فإنَّ لِلَّهِ " بكسر الهمزةِ، ويُؤيدُ هذه القراءة قراءة النخعي " فللَّه خُمُسهُ " فإنها استئناف، وخرجها أبُو البقاءِ على أنَّها وما في حيَّزها في محلِّ رفع، خبراً لـ " أنَّ " الأولى.
وقرأ الحسنُ وعبدُ الوارث عن أبي عمرو :" خُمْسَهُ " بسكون الميم، وهو تخفيفٌ حسن.
وقرأ الجعفيُّ " خِمْسه " بكسر الخاء.
قالوا : وتخريجها على أنَّهُ أتبعَ الخاءَ لحركة ما قبلها، وهي هاء الجلالة من كلمة أخرى مستقلة، قالوا : وهي كقراءة من قرأ ﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ [الذاريات : ٧] بكسر الحاء إتباعاً لكسرة التاء من " ذاتِ " ولمْ يعتدُّوا بالساكن، وهو لامُ التعريف، لأنه حاجزٌ غير حصين.
قال شهاب الدين " ليت شعري، وكيف يقرأ الجعفيُّ والحالةُ هذه ؟ فإنه إن قرأ كذلك مع ضم الميم فيكون في غاية الثقل، لخروجه من كسرٍ إلى ضمٍّ، وإن قرأ بسكونها وهو الظَّاهرُ فإنه نقلها قراءةً عن أبي عمرو، أو عن عاصم، ولكن الذي قرأ :" ذاتِ الحِبُكِ " يبقى ضمَّه الباء، فيؤدي إلى " فِعُل " بكسر الفاء وضمِّ العين، وهو بناءٌ مرفوض ".
وإنما قلت : إنه يقرأ كذلك ؛ لأنه لو قرأ بكسر التاء لما احتاجوا إلى تأويل قراءته على الإتباع ؛ لأن في " الحُبُك " لغتين : ضمُّ الحاءِ والباءِ، وكسرهما، حتَّى زعم بعضهم أنَّ قراءة الخروج من كسرٍ إلى ضمٍّ من التَّداخل.

فصل والغنيمةُ في الشريعةِ، والفيء، اسمان لما يُصيبه المسلمون من أموال الكفار.


٥١٨
فذهب جماعة إلى أنهما واحد، وذهب قومُ إلى أنَّ الغنيمة، ما أصابه المسلمُونَ
٥١٩


الصفحة التالية
Icon