فاللَّهُ يريدُه ؛ لأنَّ هذا الأسر وقع منهم على هذا الوجه، ونصَّ اللَّهُ على أنَّهُ لا يرييده، بل يريد منهم ما يؤدي إلى ثواب الآخرة وهو الطاعة.
وأجيبوا : بأنه تعالى ما أراد أن يكون هذا الأمر منهم طاعة وعملاً جائزاً مأذوناً فيه، فلا يلزم من نفي الإرادة كون هذا الأمر طاعة، نفي كونه مراد الوجود.
فصل روي عن عبد الله بن مسعود قال :" لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى، فقال رسولُ الله ﷺ " ما تقُولُون في هؤلاءِ الأسْرَى " فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك اسْتَبْقِهِمْ، واستأن بهم لعلَّ الله أن يتوب عليهم، وخُذْ منهم فدية تكون لنا قوة على الكُفَّارِ.
وقال عمرُ : يا رسول الله : كذبوك وأخرجوك، فَدَعْنَا نضرب أعناقهم، مكِّن عليّاً مِنْ عقيلٍ فيَضْرب عنقَهُ، ومكْنِي من فلانٍ :" نَسيباً لِعمَرَ " فأضْرِبَ عُنُقَهُ، فإن هؤلاء أئِمَّةُ الكفرِ.
وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب ؛ فأدخلهم فيه، ثم أضرم عليهم ناراً، فقال له العباس : قطعت رحمك.
فسكت رسول الله ﷺ فلم يجبهم، ثم دخل فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس : يأخذ بقول عمر، وقال ناس : يأخذ بقول ابن رواحة، ثم خرج رسول الله ﷺ فقال " إنَّ اللَّهَ ليليِّن قلوب رجال حتَّى تكون ألين من اللبن، ويشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم، قال :﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم : ٣٦] ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى، قال :﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة : ١١٨] ومثلك يا عمر، كمثل نوح، قال :﴿رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً﴾ [نوح : ٢٦] ومثلك كمثل موصى، قال :﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس : ٨٨] الآية " ثم قال رسول الله ﷺ :" أنتم اليوم عالة فلا ينقلبن أحد منهم إلاَّ بفداء أو ضرب عنق ".
قال عبد الله بن مسعود : إلا سهيل بن بيضاء، فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسولُ الله ﷺ : فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليَّ الحجارة من السماء من ذلك اليوم، حتَّى قال رسولُ الله ﷺ : إلا سهيل بن بيضاء.
قال ابن عباس : قال عمر بن الخطاب : فَهَوِيَ رسُولُ الله ﷺ ما قال أبو بكرٍ ولمْ
٥٧١