ونقل النووي في " التهذيب " عن الهرويِّ قال : ويقال فيه الأذان، والأذين، والإيذان قال : وقال شيخي : الأذينُ هوالمؤذن المعلم بأوقات الصلوات " فعيل " بمعنى " مفعل " [وقوله عليه السلام :" ما أذِن الله كأذنه " بكسر الذال منه، وقوله :" كأذَنِهِ " بفتح الذال، والأذن بضم الذال وسكونها : أذن الحيوان، مؤنثة، وتصغيرها : أذينة.
و " إذن " في قوله عليه السلام :" فلا إذن " حرف مكافأة وجواب، يكتب بالنون، وإذا وقفت على " إذن " قلت كما تقول : رأيت زيداً.
قال الجوهري].
قوله :" مِنَ المُشركِينَ " متعلقٌ بنفس " بَرِيءٌ "، ما يقال : بَرئْتُ منه، وهذا بخلاف قوله :﴿بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ [التوبة : ١] فإنَّها هناك تحتمل هذا، وتحتمل أن تكون صفة لـ " بَراءَةٌ ".
قوله ورسُولُهُ الجمهور على رفعه، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مبتدأ، والخبرُ محذوفٌ أي : ورسوله بريءٌ منهم، وإنَّما حذف، للدلالةِ عليه.
والثاني : أنه معطوفٌ على الضمير المستتر في الخبر، وجاز ذلك للفصل المسوِّغ للعطف، فرفعه على هذا بالفاعلية والتقدير : برئ الله ورسوله [من المشركين].
الثالث : أنه معطوف على محلِّ اسم " أنَّ " وهذا عند من يجيز ذلك في المفتوحة قياساً على المكسورةِ، قال ابنُ عطيَّة " ومذهبُ الأستاذ - يعني ابن البَاذشِ - على مقتضى كلام سيبويه أن لا موضع لما دخلت عليه [ " أنَّ " إذ هو معربٌ، قد ظهر فيه عمل العامل، وأنه لا فرق بين " أنَّ " وبين " لَيْتَ " والإجماعُ على أن لا موضع لما دخلتْ عليه] هذه ".
قال أبو حيَّان :" وفيه تعقُّبٌ ؛ لأنَّ كون " أنَّ " لا موضع لما دخلتْ عليه ليس ظهور عمل العامل بدليل " لَيْسَ زيد بقائم " وما في الدَّار من رجل، فإنه ظهرعمل العامل ولهما موضع وقوله :" بالإجماع " يريد أنَّ " ليت " لا موضع لما دخلت عليه بالإجماع، وليس كذلك ؛ لأن الفراء خالف، وجعل حكم " لَيْتَ " وأخواتها جميعاً حكم " إنَّ " بالكسر ".
قال شهابُ الدين قوله :" بدليل ليس زيد بقائم..
" إلى آخره قد يظهر الفرقُ بينهما، فإنَّ هذا العامل، وإن ظهر عمله في حكم المعدُومِ، إذ هو زائد، فلذلك اعتبرنا الموضع معه، بخلاف " أنَّ " بالفتح، فإنَّه عاملٌ غيرُ زائد، وكانَ ينبغي أن يردَّ عليه قوله : وأنْ لا فرق بين " أنَّ " وبين " لَيْتَ " فإنَّ الفرق قائمٌ، وذلك أنَّ حكم الابتداء قد انتسخ مع " لَيْتَ "،
١٢
و " لَعلَّ "، و " كأنَّ " لفظاً ومعنًى، بخلافه مع " إنَّ "، و " أنَّ "، فإنَّ معناه معهما باقٍ.
وقرأ عيسى بن عمر، وزيد بن علي وابن أبي إسحاق " ورسوله " بالنَّصبِ، وفيه وجهان : أظهرهما : أنه عطفٌ على لفظ الجلالة، والثاني : أنه مفعولٌ معه.
قال الزمخشريُّ.
وقرأ الحسنُ " ورسُولِهِ " بالجرِّ، وفيها وجهان : أحدهما : أنه مقسمٌ به، أي : ورسوله إن الأمر كذلك، وحذف جوابه لفهم المعنى.
والثاني : أنه على الجواز، كما أنهم نَعَتُوا وأكَّدوا على الجواز، وقد تقدَّم تحقيقه.
وهذه القراءةُ يبعدُ صحتُها عن الحسن، للإبهام، حتَّى يحكى أنَّ أعرابياً سمع رجلاً يقرأ " ورَسُولِهِ " بالجر، فقال الأعرابيُّ : إن كان الله قد بَرِىء من روسله فأنا بريء منه، فَلَبَّبه القارىء إلى عمر - رضي الله عنه - فحكى الأعرابيُّ الواقعة، فحينئذ أمر عمرُ بتعليم العربيَّة.
ويحكى أيضاً هذه عن أمير المؤمنين عليّ، وأبي الأسود الدُّؤلي - رضي الله عنهما - قال أبُو البقاءِ :" ولا يكون عطفاً على " المشركين " لأنَّه يؤدي إلى الكفر ".
وهذا واضح.
فصل قال بعض المفسرين قوله :﴿بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ جملة تامة مخصوصة بالمشركين، وقوله :﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾ جملة أخرى ثانية معطوفة على الجملة الأولى، وهي عامة في حق جميع النَّاسِ ؛ لأنَّ ذلك يجب أن يعرفه المؤمن والمشرك، من حيثُ إنَّ الحكم المتعلق بذلك يلزمهما جميعاً، فيجبُ على المؤمنين أن يعرفوا الوقت الذي يباحُ فيه القتال من الوقت الذي يحرم فيه، فأمره تعالى بهذا الإعلام يوم الحج الأكبر، وهو الجمع الأعظم، ليصل ذلك الخبر إلى الكل، فيشتهر.
وفي هذا العطف الإشكال الذي ذكره أبو حيان في صدر الآية عند قوله ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ﴾.
فصل اختلفوا في يوم الحجِّ الأكبر، فقال ابن عباس في رواية عكرمة " إنَّه يومُ عرفةَ " وهو قول عُمر، وسعيد بن المسيب، وابن الزبير، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وإحدى الروايتين عن علي، ورواية المسور بن مخرمة عن رسول الله ﷺ، قال : خطب رسول
١٣